الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان. قال: فغضبتْ قريش، فقالوا: يعطي صناديد نجد ويدعنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم"(1).
وجه الدلالة:
الحديث نصٌّ في جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة.
المناقشة والترجيح:
نوقشت أدلة القول الأول بما يلي:
إن عمر رضي الله عنه لم يَقُلْ بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم، وإنما رأى اجتهاداً أنه لا حاجة لإعطائهم، والحكم يدور مع عِلَّتِهِ وجودًا وعدمًا (2).
وإذا كان المسلمون زمنَ عمرَ والخلافة الراشدة وما بعدها بحيث لا يحتاجون إلى قوةِ أو عددِ المؤلفةِ قلوبهم فلا يسلم هذا في كل وقت، والمسلمون في بلاد الأقليات اليوم قد ضعفت شوكتهم، وهانوا لدى أعداء دينهم، وأصبحت الدولة لغيرهم، وهم بحاجة لمن يَدْفَعُ عنهم، أو يُسْلِمُ من أهل تلك الديار من الكفار، ولا سيما أهل الفكر والحذق والقوة.
ونوقشت أدلة القول الثاني بما يلي:
الحكم الذي تضمنته الآية الكريمة بإعطاء المؤلفة قلوبهم قد نُسِخَ، والناسخ أحد ثلاثة:
1 -
إجماع الصحابة على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم (3).
2 -
السنة، وهو حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفيه -عن الزكاة-:"تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم"؛ فالضمير في "فقرائهم" للمسلمين؛ فلا تُدْفَعُ إلى من كان من
(1) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: بعث علي بن أبي طالب عليه السلام، (4351)، ومسلم، كتاب ذكر الخوارج وصفاتهم، (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
المغني، لابن قدامة، (9/ 317)، مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (33/ 94).
(3)
بدائع الصنائع، للكاساني، (2/ 45).
المؤلفة قلوبهم كافرًا أو غنيًّا، وتُدْفَعُ إلى من كان منهم مسلمًا فقيرًا بوصف الفقر؛ فالنسخ للعموم أو لخصوص الجهة (1).
3 -
القرآن الكريم: فقد روى الطبري في تفسيره: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: -وأتاه عيينة بن حصن- {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] أي: ليس اليوم مؤلفة"(2).
وأُجِيبَ: بأن دعوى الإجماع غير صحيحة ولا مُسَلَّمة.
قال الزهري: "لا أعلم شيئًا نَسَخَ حكمَ المؤلَّفِ"(3).
وقال أبو عبيد: "وهذا هو القول عندي؛ لأن الآية محكمة، لا نعلم لها ناسخًا من كتاب، ولا سنة"(4).
وقال ابن قدامة: "فأما الإجماع فلا يُنْسَخُ ولا يُنْسَخُ به"(5).
وفي شرح الكوكب المنير: "ولا يُنْسَخُ حكمٌ به -أي: بالإجماع-؛ لأنه إذا وُجِدَ إجماعٌ على خلاف نصٍّ فيكون قد تضمَّنَ ناسخًا، لا أنه هو الناسخ، ولأن الإجماع معصوم من مخالفة دليل شرعي لا معارِضَ له، ولا مزيلَ عن دلالته، فتعيَّنَ إذا وجدناه خالف شيئًا أن ذلك إما غير صحيح إن أمكن ذلك، أو أنه مؤول، أو نُسِخَ بناسخٍ؛ لأن إجماعهم حقٌّ؛ فالإجماع دليلٌ على النسخ، لا رافعٌ للحكم"(6).
فلا يتأتَّى نَسْخٌ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وهو لا يكون إلا بالنصِّ المعصوم، والإجماع لا يتأتَّى إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصلحُ الإجماعُ أن يكون ناسخًا.
(1) حاشية ابن عابدين، (3/ 288).
(2)
تفسير الطبري، (11/ 522).
(3)
زاد المسير، لابن الجوزي، (3/ 457).
(4)
كتاب الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد خليل هراس، دار الفكر، بيروت، (ص 722).
(5)
روضة الناظر، لابن قدامة، (ص 87).
(6)
شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (3/ 570).