الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ. [العنكبوت: 10].
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بالجواز -بشرط المحافظة على الدين والتمسك به، وعدم الذوبان في المجتمع الكافر- بأدلة من المقاصد الشرعية، والقواعد الكلية، والمعقول:
أولًا: الأدلة من المقاصد والمعقول:
1 -
قالوا بأننا نرجح مع الجمهور الرأي القائل بجواز الإقامة ببلاد غير المسلمين، وأدلتهم راجحة على أدلة مخالفيهم، ثم إن الجواز هناك مقيد بما إذا استطاع المرء إقامة دينه، وأَمِنَ الفتنة على نفسه ومن يعول.
والتجنس لا يزيد على الإقامة إلا بمجرد الانتساب إلى الدولة، وهو في الوقت ذاته يكسب المتجنس قوةً وتمكنًا في المجتمع، ويجعل الإقامةَ مدعومةً بما يدفع الفتنة، ويمكن المسلم من إظهار دينه؛ الأمر الذي يترتب عليه تأكيد شرعية الإقامة (1).
وعليه، فإنه يمكن تخريج هذه المسألة على قول من أباح الإقامة ببلاد غير المسلمين.
قال الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي: ما دمنا قد قلنا بجواز الإقامة في دار الكفر، فإنه يتفرع عنه جواز التجنس؛ لأنه ما هو إلا لتنظيم العلاقة؛ فهي تسهل لهم الأمور، وتسهل أيضًا الاستفادة من خدماتهم (2).
2 -
الشريعة الإسلامية إنما جاءت لحفظ الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وكل ما كان سبيلًا لحفظ هذه الضروريات فهو مشروع، والتجنس بجنسيات هذه الدول يوفر للإنسان حياة كريمة وطمأنينة وأمنًا وتمتعًا
(1) قضايا فقهية معاصرة، لمحمد تقي العثماني، (ص 329 - 331).
(2)
نقلاً عن فقه الأقليات المسلمة، لخالد عبد القادر، (ص 608)، في مقابلة خاصة مع الزحيلي.
بحقوق وحريات تنعدم غالبًا في الدول الإسلامية في واقعنا المعاصر، بل إنها تيسر له التعبد والدعوة ونشر العلم بما لا نظير له في الدول الإسلامية؛ لأن دول الغرب قائمة على العلمانية، وعلى الليبرالية المطلقة، وعلى الحريات العامة التي تقوم الشعوب على حراستها والاستمساك بها، ولا تستطيع الأنظمة المساس بهذه الحريات العامة؛ ومن ثم يكون التجنس في ظل هذه الأوضاع محقِّقًا لكثير من المصالح الإسلامية، فإذا كان التجنس وسيلة لتحقيق هذه المصالح المشروعة فهو إذًا مشروع.
ومن حرَّم التجنس من أهل العلم إنما حرَّمه خوفًا من الذوبان في الشخصية الغربية، أما إذا كانت الجنسية تعطي المتجنسَ قوةً وصلابة وقدرة على المطالبة بالحقوق وإبداء رأيه، والتصويت في الانتخابات لمن يخدم قضيته دون أن يتنازل عن دينه، ويعايش من حوله بالمعروف، ويحسن معاملتهم، كما قال جل وعلا:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
فإذا صار الوضع كذلك فلا مانع من التجنس؛ لوجود المصلحة المتحققة التي تربو بكثير على المفسدة المتوقعة (1).
ويقول د. القرضاوي: "المسلم الذي يحتاج للسفر إلى بلاد غير إسلامية تعطيه الجنسيةُ قوةً ومنعةً، فلا يحقُّ للسلطات طرده، ويكون له الحق في الانتخاب، مما يعطي قوةً للمسلمين في هذه البلاد، حيث يخطبُ المرشحون وُدَّهم؛ ولذا فحملُ الجنسية ليس في ذاته شرًّا ولا خيرًا، وإنما يأخذ الحكم حسب ما يترتب على أخذ هذه الجنسية من النفع للمسلمين، أو الإضرار بهم، مثل أخذ الفلسطينيين خاصة الجنسيةَ الإسرائيليةَ،
(1) الأحكام الشرعية للنوازل السياسية، د. عطية عدلان، (2/ 722 - 723).
فإن هذا يعد اعترافًا ضمنيًّا بدولة إسرائيل، ولكن أخذ الجنسية من دول الغرب بغرض تقوية شوكة المسلمين هناك، فلا حرمة في هذا" (1).
3 -
بعد التسليم بوجود بعض المفاسد، إلا أنه ينبغي أن يُسَلَّمَ بأن المصالح المترتبة أعظمُ وأهم، ومعلومٌ أنه يُرْتَكَبُ أخفُّ الضررين، ويُدْفَعُ الضررُ الأشدُّ بالضررِ الأخفِّ، ويُتَحَمَّلُ الضررُ الأخفُّ لجلب مصلحةٍ تفويتُهَا أشدُّ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإنها تُرَجِّحُ خيرَ الخيرين، وتَدْفَعُ شرَّ الشرين، وتُحَصِّلُ أعظمَ المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفعُ أعظمَ المفسدتين باحتمال أدناهما"(2).
وقد جاء في جواب أسئلة المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن:
"ولو تجنس مسلم بهذه الجنسية لدعوة أهلها إلى الإسلام، أو تبليغ الأحكام الشرعية إلى المسلمين المقيمين بها، فإنه يثاب على ذلك، فضلًا عن كونه جائزًا"(3).
4 -
في أمر المسلمين هناك بالخروج من تلك البلاد، وترك جنسياتها إضعاف للإسلام هناك؛ بحيث لا ترجى له رجعة، كما حدث في الأندلس وصقلية؛ إذ أُخرج منها المسلمون وحلَّ النصارى محلهم، أما أن يثبت وضع المسلمين هناك ويقوى، فهو السبيل لدعوتهم ونشر الدين بينهم، وتحقيق مقاصد فقه الأقليات المسلمة.
5 -
أنه أحيانًا يضطر المسلم إلى التجنس بجنسية تلك الدول محافظةً على حياته، كأن يكون فارًّا من بلده الأصلي، أو لم يُمْنَحْ جنسية دولة إسلامية تحميه وتمكنه من
(1) فتاوي فقهية مباشرة، موقع إسلام أون لاين 1/ 8/ 2000 م، فقه الأقليات المسلمة، لخالد عبد القادر، (ص 607).
(2)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (20/ 48).
(3)
الفتوى للحاج عبد الرحمن باه والقاضي تقي الدين العثماني، ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، لمحمد تقي الدين العثماني، (ص 329 - 331)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 3، العدد 3، سنة 1987 م، (2/ 1130).