الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجامع بها يُسهم في إيجاد الأحكام المنصوص عليها، ويُوَسِّعُ من باب القياس، ومن خلال هذه الأقضية والفتاوي المروية يجد الشبيه بالواقعة المسؤول عنها، ويحسن التنظير بين المسائل" (1).
عاشرًا: سد الذرائع:
الذرائع -لغة-: هي الوسائل (2)، ومعناها الاصطلاحي لا يبعد عن معناها اللغوي، فكل طريق وسبب وسيلة لمحرم فهو ذريعة إليه، وكذا كل طريق وسبب لواجب فهو ذريعة إليه.
فالذرائع كما تُسَدُّ إلى الحرام تُفْتَحُ إلى الحلال؛ لأنها في الحالة الأولى، تدفع مفسدة وفي الثانية تجلب مصلحة (3).
ولذلك يقول القرافي: "اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي وسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة"(4).
وموارد الأحكام على قسمين:
مقاصد: وهي الطرق المفضية للمصالح والمفاسد في أنفسها.
ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل غير أنها أخفض رتبةً من المقاصد في حكمها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة (5).
والقول بالذرائع أكثر منه الإمامان مالك وأحمد -رحمهما الله-، وقد كان دونهما في الأخذ به الإمامان أبو حنيفة والشافعي -رحمهما الله-، ولكنهما لم يرفضاه جملة ولم يعتبراه
(1) منهج الإفتاء عند ابن القيم، د. أسامة الأشقر، (ص 131).
(2)
لسان العرب، لابن منظور، (5/ 37).
(3)
شرح تنقيح الفصول، للقرافي، (ص 353)، مقاصد الشريعة، لعلال الفاسي، (ص 162 - 163).
(4)
الفروق، للقرافي، (2/ 451).
(5)
شرح تنقيح الفصول، للقرافي، (ص 353).
أصلًا قائمًا بذاته، بل كان داخلًا في الأصول المقررة عندهما كالقياس والاستحسان، ولكن ابن حزم رحمه الله يستنكر الاجتهاد عن طريق الذرائع؛ لأن ذلك من أبواب الرأي، والرأي عنده مستنكر كله (1).
وعليه فقد فرَّع الفقهاء فروعًا تحت هذا الأصل، فمن ذلك: تحريم بيع السلاح زمن الفتنة (2).
وتحريم بيع العنب لمن يعصره خمرًا (3).
كراهة تزويج الكتابيات الحرائر عملًا بمذهب عمر رضي الله عنه وموافقة الصحابة، لما رأى انصرافًا عن المسلمات ورغبة في غيرهن لجمالهن، ويتأكد المنع إذا ترتب عليه تبعية الأبناء لأمهم في دينها (4).
ولما رأى عمر رضي الله عنه اجتراءَ الرجال على التطليق بلفظ الثلاث أوقعه عليهم ثلاثًا، ووافقه على ذلك الصحابة سدًّا لهذا الباب، وتأديبًا على الطلاق بلفظ يخالف السنة (5).
وقد أفتى الصاحبان من الحنفية بتضمين الصناع والأجير المشترك ما تلف بيده من الأموال وفاقًا للمالكية، وخلافًا لأبي حنيفة؛ وذلك لما وقع التهاون في أموال الناس (6).
وقال ابن النجار: "وتسد الذرائع -وهي ما ظاهره مباح ويُتوصل منه إلى محرم- ومعنى سدِّها: المنع من فعلها لتحريمه، وأباحه أبو حنيفة والشافعي"(7).
والمجتهد ينظر إلى الذرائع بحسب قوة إفضائها إلى الواجب أو المحظور؛ فما كانت مفسدته
(1) ابن حزم حياته وعصره آراؤه وفقهه، لمحمد أبي زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، (ص 424).
(2)
شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (1/ 157)، الكافي، لابن عبد البر، (2/ 677)، مواهب الجليل، للحطاب، (6/ 50)، البحر الرائق، لابن نجيم، (5/ 154).
(3)
شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (1/ 157)، الكافي، لابن عبد البر، (2/ 677)، مواهب الجليل، للحطاب، (6/ 50).
(4)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (2/ 267)، المهذب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، (2/ 44)، المغني لابن قدامة، (9/ 546).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 211)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (4/ 29).
(7)
شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (4/ 434).