الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
المشركات
2 -
الكتابيات.
وفيما يأتي بيان لحكم نكاح كلٍّ.
المطلب الأول: حكم زواج المسلم من المشركة:
الأقوال وقائلوها:
القول الأول: حرمة نكاح المشركات مطلقًا، سواء كُنَّ من مشركات العرب عابدات الأوثان أو كُنَّ ملحدات عربيات أو عجميات، أو كُنَّ من مشركات غير العرب كالهندوسيات والبوذيات، والكونفوشيوسيات، والمجوسيات وما شابههن، أو كُنَّ مرتدات عن الإسلام بعد دخول صحيح فيه، وقد نقل على هذا الإجماع (1).
القول الثاني: للشيخ رشيد رضا بحل نكاح مشركات غير العرب، وحرمة ما عداهن (2).
القول الثالث: لأبي ثور والظاهرية والشيعة الإمامية بحل نكاح الحرة المجوسية (3).
الأدلة والمناقشات:
استدل أصحاب القول الأول بالقرآن الكريم، والإجماع.
أولًا: القرآن الكريم:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].
وجه الدلالة:
(1) بدائع الصنائع، للكاساني، (2/ 270)، المبسوط، للسرخسي، (4/ 211)، مختصر خليل، مطبوع مع مواهب الجليل، (5/ 133)، الكافي، لابن عبد البر، (2/ 543)، حاشية قليوبي على شرح المنهاج، (3/ 250 - 251)، مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 187)، الإنصاف، للمرداوي، (8/ 136)، المغني، لابن قدامة، (9/ 548).
(2)
مجلة المنار، لمحمد رشيد رضا، (12/ 260) وما بعدها.
(3)
المغني، لابن قدامة، (9/ 547)، فتح القدير، لابن الهمام، (3/ 230)، تفسير القرطبي، (3/ 70 - 71)، المحلى، لابن حزم، (9/ 448).
ذكر الله تعالى تحريم نكاح المشركات في سورة البقرة، ثم نسخ منها نساء أهل الكتاب فأحلهن في سورة المائدة (1).
يقول الطبري: وأولى الأقوال بالصواب ما قاله قتادة من أن الله -تعالى ذِكْرُه- عنى بقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. من لم تكن من أهل الكتاب من المشركات، وأن الآية عامٌّ ظاهرها خاصٌّ باطنها، لم ينسخ منها شيء، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها (2).
2 -
قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].
وجه الدلالة:
أفادت الآية الكريمة حرمة نكاح المشركات عبدة الأوثان؛ ومن كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها فليست له امرأة، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين، وكان الكفار يتزوجون المسلمات، والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك في هذه الآية، فطلق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حينئذٍ امرأتين بمكة مشركتين (3).
3 -
قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
وجه الدلالة:
دلت الآية على أن كل من ارتد عن الإسلام حُكِمَ بكفره وجَرَتْ عليه أحكام الكفار المرتدين، سواء اتخذت دينًا غير الإسلام، أم ألحدت عن الأديان جميعًا، وهذه
(1) تفسير القرطبي، (3/ 67)، المغني، لابن قدامة، (9/ 548).
(2)
تفسير الطبري، (3/ 714 - 715).
(3)
تفسير القرطبي، (18/ 65)، المغني، لابن قدامة، (9/ 548).
الآية تشمل البهائية والشيوعية والقاديانية، وهي بهذا تصير مشركة وكافرة وينفسخ نكاحها فور رِدَّتِها ولا يجوز أن تقوم حياة زوجية بين مسلم ومرتدة، أو بين مرتد ومسلمة لا ابتداءً ولا بقاءً (1).
ثانيًا: الإجماع:
جاء في موسوعة الإجماع: "اتفقوا على أن من عدا اليهود والنصارى من أهل الحرب يُسَمَّون مشركين"(2).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم أن سائر الكفار غير أهل الكتاب تحرم نساؤهم"(3).
وقال الكمال ابن الهمام رحمه الله: "ولا يجوز تزوج الوثنيات، وهو بالإجماع والنص"(4).
وقال ابن رشد رحمه الله: "اتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية"(5).
وقال أبو زهرة رحمه الله: "ولقد اتفق الفقهاء على أن عبدة الأوثان مشركون، لا تنكح نساؤهم"(6).
وعليه: فإذا تزوج المسلم بمشركة من مشركات العرب أو العجم، فالنكاح باطل ومفسوخ، ويؤدَّب المسلم الذي فعل ذلك إلَّا أن يكون جاهلاً فيعذر.
أدلة القول الثاني ومناقشته:
الأصل أن لا يلتفت إلى هذه الأقوال بعد سبقها بإجماع صحيح منعقد، وتنزلًا مع
(1) بدائع الصنائع، للكاساني (5/ 137 - 138)، مواهب الجليل، للحطاب، (2/ 337)، الشرح الصغير، للدردير، (2/ 420)، مغني المحتاج، للخطيب الشربيني، (3/ 190)، المغني، لابن قدامة، (9/ 548)، في فقه الأقليات المسلمة، د. يوسف القرضاوي، (93 - 95).
(2)
موسوعة الإجماع، لسعدي أبي جيب، (2/ 1011).
(3)
المغني، لابن قدامة، (9/ 548).
(4)
فتح القدير، لابن الهمام، (3/ 231).
(5)
بداية المجتهد، لابن رشد، (2/ 44).
(6)
الأحوال الشخصية، لأبي زهرة، (ص 114).
المخالف فيما ظنه من الحكم نورد أدلته، ثم الرد عليها.
استدل الشيخ رشيد رضا رحمه الله بعدة أدلة، فقال:
أولاً: إن العلماء لم يجمعوا على أن لفظ (المشركين، والذين أشركوا) يتناول جميع الذين كفروا بديننا ولم يدخلوا في ديننا، ولا جميع من عدا اليهود والنصارى.
ثانيًا: إن المشركات اللاتي حرَّمَ الله نكاحهن في آية البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، هن مشركات العرب، وهو المختار، وقد رجحه شيخ المفسرين [الطبري]، وعليه فلا تشمل الآية مَنْ عدا مشركات العرب.
ثالثًا: إن وثنيي الصين واليابان وأمثالهم أهل كتب مشتملة على التوحيد إلى الآن، وقد قصَّ علينا القرآن أن جميع الأمم بُعث فيها رسل، وأن كتبهم سماوية طرأ عليها التحريف، كما طرأ على كتب اليهود والنصارى.
رابعًا: إن الأصل في النكاح الحل لا الحرمة، بدليل قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، بعد أن بين لنا محرمات النكاح، فما عداهن يبقين على الأصل وهو الحل، ولا دليل على تحريم نكاح نسائهم، فليس لأحد أن يحرمه إلا بنص مخصص لعمومها.
خامسًا: إن مسلمي الصين قد أكثروا من نكاح وثنيات الصين اللاتي من الكونفوشيوسية، وقد أسلم منهن الكثيرات (1).
مناقشة الأدلة والرد عليها:
أولًا: قوله: إن العلماء لم يجمعوا على أن لفظ المشركين يتناول الذين كفروا عدا أهل الكتاب غير مسلَّم.
فقد تقدَّم من سياق الإجماع عدم تقييد الوثنيات بقيد معين، وقد قال ابن قدامة:
(1) مجلة المنار، رشيد رضا، (12/ 260) وما بعدها.
"أجمع أهل العلم أن سائر الكفار غير أهل الكتاب تحرم نساؤهم"(1)، وقال أبو عبيد:
"أما الوثنيات فنكاحهن حرام عند المسلمين جميعًا، لم ينسخ تحريمهن كتاب ولا سنة علمناها"(2).
وأما ما فهمه الشيخ رشيد رحمه الله من أن قتادة فسَّرَ قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] بمشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه ورجحه الطبري- فغير مستقيم فليس مراده من ذلك أن من عدا مشركات العرب غير داخلات في التحريم، بل إن مراده أن الكتابيات مستثنيات من حكم تلك الآية.
والدليل على ذلك:
1 -
أن هناك رواية عن قتادة رحمه الله أنه قال: "المشركات من ليس من أهل الكتاب"(3).
2 -
أن ابن عطية أورد في تفسيره عن قتادة أنه قال في الآية: "لفظ الآية العموم في كل كافرة والمراد بها الخصوص، أي: في غير الكتابيات"(4).
3 -
إن الطبري رحمه الله لما ذهب إلى ترجيح قول قتادة صرح بحرمة كل مشركة من عبدة الأوثان على كل مسلم عند قوله على إنكاح الزاني، فقال:". . . وذلك لقيام الحجة على أن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان"(5).
4 -
لو كان قتادة يعني بقوله ذلك أن من عدا مشركات العرب حلال لقال بحل المجوسية وشاع عنه، بل المنقول عنه عكس ذلك.
(1) المغني، لابن قدامة، (9/ 548).
(2)
الناسخ والمنسوخ، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحقيق: محمد بن صالح المديفر، مكتبة الرشد، الرياض، (ص 94).
(3)
تفسير الطبري، (3/ 713).
(4)
المحرر الوجيز، لابن عطية، (2/ 245).
(5)
المرجع السابق، (17/ 160).
وقد سئل أحمد عن آية البقرة {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]، فقال:"مشركات العرب الذين يعبدون الأصنام"(1)، وبالرغم من ذلك فقد نقل أهل مذهبه عنه حرمة نكاح غير الكتابية.
فعلم من مجموع ذلك أن الإجماع لم يخالف فيه أحد، وأن ما استنبطه الشيخ رشيد غير سديد.
ثانيًا: وأما قوله: الأصل في النكاح الحل:
فالجواب: أن قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] يفيد بأن الأصل الحرمة لا الحل، وهو قول الجماهير، وأما أنه لا دليل على تحريم نكاحهن، فقد تقدم الإجماع على ذلك.
وهن داخلات في عموم قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]، ولا مخصص لها إِلا آية المائدة، حيث أفادت حل اليهوديات والنصرانيات، دون غيرهن.
ثالثًا: وأما قوله: إن وثنيي الصين وغيرهم أهل كتب مشتملة على التوحيد.
فالجواب أن كونفوشيوس لم يكن نبيًّا، بل كان فليسوفًا مغرقًا في البحث والتأمل؛ ولذا فإن أتباعه لا يعتقدون بجنة ولا نار، ولا بالبعث أصلًا، وهذه الأمور من أصول الرسالات السماوية جمعاء، وذلك مما يعمق القول بأرضية أصولها.
ثم إن توحيدهم المزعوم هو نفسه توحيد مشركي العرب، الذين قال الله عنهم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25].
لقد أخبرنا سبحانه أنه أرسل لكل قوم هاديًا، ولكنه تعالى لم يعلمنا بأنه أنزل على
(1) تفسير ابن كثير، (1/ 584).
كل رسول كتابًا من عنده، فالأمر في ذلك لا يعرف إِلا عن طريق النص، لا عن طريق الظن والتخمين، ولا نص هنا على أنهم أهل كتب سماوية.
وقد أبان الشيخ أبو زهرة ذلك بقوله: "كل أولئك لم يكن لهم كتاب منزل معروف، ولم يعرف لهم نبي مبعوث ذكره القرآن، ولو كانوا قد حرفوا الكلم من بعده عن مواضعه"(1).
رابعًا: وأما أن مسلمي الصين قد أكثروا من نكاح الوثنيات وقد أسلم منهن الكثيرات.
فالجواب أن هذه لا تصلح دليلًا على الحل والحرمة؛ لأن حق التحليل والتحريم لله وحده، لا دخل للواقع أو غيره في ذلك. وأن العرف لو كان مخالفًا للنصوص فلا عبرة به لفساده؛ لأن الأصل أن يضبط العرف بالنص، لا العكس.
لأن الآية -وهي نص في المسألة- قد بينت متى تحل بقوله: {حَتَّى يُؤْمِنَّ} و {حَتَّى} هنا تفيد الغاية، فلا تحل له ابتداءً حتى تدخل في الإسلام.
الترجيح:
بعد هذا العرض والرد، فقد ظهر الحق، وعليه فلا يحل لمسلم أن ينكح وثنية -أيًّا كان مذهبها- فإن نكحها باعتقاده أن ذلك حلال على سبيل الجهل في بلاد الأقليات فإنه يفسخ نكاحه فورًا للعلم بالحكم، ويلحق به النسب، وتثبت به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء. (2)(3)
أدلة القول الثالث ومناقشته:
(1) محاضرات في عقد الزواج وآثاره، لمحمد أبي زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، (ص 143).
(2)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (32/ 178 - 180).
(3)
فقه الأقليات المسلمة، خالد عبد القادر، (403 - 406)، الأحكام الفقهية لما يعرض للمسلم المقيم في دار الكفر، د. يوسف بن عبد اللطيف حمد الجبر، رسالة دكتوراه، العهد العالي للقضاء بالسعودية، (ص 984 - 985).
تقدم نقل الإجماع على أن نكاح الحرة المجوسية لا يحل إلا أن أبا ثور وابن حزم قالا بحلها، واستدل الجمهور لمذهبهم بالقرآن الكريم، والإجماع، والمعقول.
أولًا: القرآن الكريم:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].
وجه الدلالة من الآيتين:
نهى الله تعالى عن نكاح المشركات والإمساك بعصمة الكافرات، وهذا عام، وقد خرج منه الكتابيات بدليل قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] ويبقى مَنْ عداهن على العموم، وهذا يشمل المجوسيات (1).
2 -
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17]
وجه الدلالة:
ذكر الله تعالى الملل الست، وبين أنه يفصل بينهم يوم القيمة، ولما ذكر الملل التي فيها سعيد في الآخرة قال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، فلم يذكر المجوس ولا المشركين، ولو كان في هاتين الملتين سعيد في الآخرة كما في الصابئين واليهود والنصارى لذكرهم، فدل على أنهم ليسوا من أهل الملل الناجية،
(1) نهاية المحتاج، للرملي، (6/ 290) بتصرف.
وإذا كانوا كذلك لم تحلَّ مناكحتهم (1).
ثانيًا: الإجماع:
أجمع الصحابة على تحريم مناكحة المجوس، ولا يعلم لهم مخالف في زمنهم، ولا في زمن التابعين (2).
المناقشة:
إن الصحابة لم يُجمعوا على ذلك، بدليل أن حذيفة رضي الله عنه تزوج منهم؛ فقد ذكر معبد الجهني قال: رأيت امرأة حذيفة مجوسية. (3)
وأُجيب بأن ذلك لم يصحَّ عن حذيفة. قال البيهقي: "فهذا غير ثابت، والمحفوظ عن حذيفة أنه نكح يهودية"(4)، وقال أحمد:"والقول بأنه تزوج يهودية أوثق"(5).
وما روي عن عطاء وطاوس وابن دينار من حل المجوسية لم يصح، وإنما المروي عنهم جواز التسري بالمجوسية، لا نكاح الحرة، وهو خارج محل النزاع (6).
أدلة المجيزين ومناقشتها:
أولًا: القرآن الكريم:
قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا
(1) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (32/ 187 - 188) بتصرف.
(2)
أحكام أهل الذمة، لابن القيم، (2/ 817).
(3)
السنن الكبرى، للبيهقي، (7/ 281) باب ما جاء في تحريم حرائر أهل الشرك دون أهل الكتاب وتحريم المؤمنات على الكفار.
(4)
السنن الكبرى، للبيهقي، (7/ 281).
(5)
المغني، لابن قدامة، (7/ 502)، إرواء الغليل، للألباني، (6/ 301).
(6)
مصنف ابن أبي شيبة، (4/ 179)، المدونة، رواية سحنون بن سعيد، (2/ 219 - 220).
حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
وجه الدلالة:
استثنى الله عز وجل أهل الكتاب خاصة بإعفائهم من القتل بغرم الجزية مع الصَّغَار من جملة سائر المشركين الذين لا يحل إعفاؤهم إلَّا أن يسلموا. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر (1).
ومن الباطل الممتنع أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمْرَ ربه وإلا لبين لنا أنهم غير أهل كتاب فكنا ندري حينئذٍ أنه فعل ذلك بوحي (2). وإذا ثبت أنهم من أهل الكتاب جاز نكاح نسائهم؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5].
ونوقش من وجهين:
1 -
المجوس ليسوا أهل كتاب بدليل قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 155، 156] والطائفتان هما اليهود والنصارى، ولو كان المجوس من أهل الكتاب لكان أهل الكتاب ثلاث طوائف؛ فيؤدي إلى الخلف في خبره عز وجل وذلك محال (3). وإذا كانوا ليسوا أهل كتاب لم تحلَّ مناكحتهم كالمشركين.
ويجاب: بأن هذا القول -أي: نزول الكتاب على طائفتين- من إنشاء المشركين
(1) أخرجه: البخاري، كتاب الجزية، باب: الجزية والموادعة مع أهل الحرب، (3156) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(2)
المحلى، لابن حزم، (9/ 448).
(3)
بدائع الصنائع، للكاساني، (2/ 271).
فليس فيه دليل على ما ذكرتم (1).
ويُرَدُّ عليه:
بأن الله تعالى حكى عنهم القول ولم يعقبه بالإنكار عليهم وتكذيبهم، والحكيم إذا حكى عن منكر غيَّره (2).
2 -
فَرْقٌ بين قبول الجزية منهم ونكاح نسائهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم حقن دماءهم عند دفع الجزية لتشبههم بأهل الكتاب في بعض الأمور، والدماء تعصم بالشبهات، أما الفروج فلا تحل بالشبهات (3).
وفي روضة الطالبين: "الصنف الثالث: مَنْ لا كتاب لهم لكن لهم شبهة كتاب وهم المجوس. وهل كان لهم كتاب؟ فيه قولان، أشبههما: نعم. وعلى القولين لا تحل مناكحتهم"(4).
وفي المغني: "وليس للمجوس كتاب، ولا تحل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم؛ نصَّ عليه أحمد"(5).
ثانيًا: السنة المطهرة:
أن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أَمْرِهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لَسَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب"(6).
وجه الدلالة:
أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بمعاملة المجوس مثل أهل الكتاب فتحل مناكحتهم، كما تحل
(1) المرجع السابق، (2/ 271) بتصرف.
(2)
المرجع السابق، (2/ 271).
(3)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (32/ 189 - 190) بتصرف.
(4)
روضة الطالبين، للنووي، (7/ 135).
(5)
المغني، لابن قدامة، (9/ 547).
(6)
سبق تخريجه.
مناكحة اليهود والنصارى.
المناقشة:
1 -
الحديث ضعيف. قال ابن حجر: هذا منقطع مع ثقة رجاله (1).
2 -
ولو صح فهو محمول على معاملتهم مثل أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهمه الصحابة من بعده (2).
يؤيد ذلك ما رواه عبد الرحمن بن عوف أنه شهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر (3).
ولا يجوز تعديه إلا بنص، أو خبر آخر صريح، ولم يرد مثل ذلك.
ويؤيد هذا الفهم تكملة الرواية التي لم يتصل سندها "غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحم"، وهي حجة باتفاق؛ كما قال ابن تيمية (4).
ولا يخفى أن في قوله: "سنوا بهم. . . " ما يشعر بأنهم ليسوا بأهل كتاب.
ثالثًا: قول الصحابي:
عن علي -رضى الله عنه- قال: "أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه، وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته، أو أخته، فاطَّلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاؤوا يقيمون عليه الحد، فامتنع منهم، فدعا أهل مملكته، فلما أتوه قال: تعلمون دينًا خيرًا من دين آدم، وقد كان يُنْكِحُ بنيه من بناته، وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه، قال: فبايعوه، وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم، فأصبحوا وقد أُسري على كتابهم، فَرُفِعَ من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم. فهم أهل
(1) فتح الباري، لابن حجر، (6/ 261).
(2)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (32/ 189) بتصرف.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
مجموع الفتاوي، (32/ 189).
كتاب، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- منهم الجزية" (1).
وجه الدلالة:
دل كلام علي -رضى الله عنه- على أن المجوس لهم كتاب قد رُفِعَ ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل على أنهم يعاملون معاملة أهل الكتاب، ومن ذلك نكاح نسائهم.
المناقشة من الوجهين:
الأول: هذا الأثر ضعيف؛ فقد سئل الإمام أحمد: أيصح عن علي أن للمجوس كتابًا. فقال: هذا باطل واستعظمه جدًّا (2). كما ضعفه القرطبي (3).
ويجاب:
بأن هذا الأثر قد حسَّنه ابن حجر (4).
ويُرَدُّ:
بأن في سنده سعيد بن مرزبان أبا سعد البقال الكوفي، وهو ضعيف، مدلس، وقد تركوه، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بحديثه، والحديث ليس له متابع ولا شاهد (5).
الثاني: على فرض صحته فإنه إنما يدل على أنه كان لهم كتاب فَرُفِعَ لا أنه الآن بأيديهم كتاب، وحينئذ فلا يصح أن يدخلوا في لفظ (أهل الكتاب)؛ إذ ليس بأيديهم كتاب لا مبدل ولا غير مبدل، ولا منسوخ ولا غير منسوخ، ولكن إذا كان لهم كتاب
(1) أخرجه: الإمام الشافعي في "مسنده"(817). قال ابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 120): "أكثر أهل العلم لا يصححون هذا الأثر".
(2)
المغني، لابن قدامة، (9/ 548).
(3)
تفسير القرطبي، (8/ 111).
(4)
فتح الباري، لابن حجر، (6/ 261).
(5)
مجمع الزوائد، للهيثمي، (6/ 12)، تقريب التهذيب، لابن حجر، (ص 241)، ميزان الاعتدال، للذهبي، (2/ 157).