الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفظ البيت على المسجد (1).
4 - الاستحسان بالضرورة:
وهو العدول عن حكم القياس في مسألة إلى حكم آخر مخالف له للضرورة.
مثاله: العفو عن يسير الغرر والغبن في المعاملات، وتطهير الآبار التي تقع فيها النجاسة بنزح قدر معين من الماء منها استحسانًا للضرورة مع أنه على خلاف القياس.
5 - الاستحسان بالمصلحة:
وهو العدول عن حكم القياس وعن الأصل العام إلى حكم آخر للمصلحة.
ومثاله: تضمين الأجير المشترك ما يهلك عنده من أمتعة الناس، إلا إذا كان الهلاك بقوة قاهرة لا يمكن دفعها أو التحرز منها، مع أن ذلك خلاف القياس، وخلاف الأصل العام الذي يقضي بعدم تضمينه إلا بالتقصير أو التعدي؛ لأنه أمين، والمؤتمن غير ضامن إلا إذا فرط أو تعدى (2).
6 - الاستحسان بالقياس الخفي:
وهو العدول عن حكم القياس الظاهر إلى حكم آخر بقياسٍ آخرَ أدقَّ وأخفى من الأول لكنه أقوى حجة وأسدُّ نظرًا وأصح استنتاجًا.
ومثاله: الحكم بطهارة سؤر سباع الطير، فالقياس الجلي يلحقها بسباع البهائم، لكن القياس الخفي يلحقها بسؤر الآدمي؛ لأنها تشرب بمناقيرها وهي عظام طاهرة.
أثر الاستحسان في استنباط الفتيا:
مما سبق تبين أن الاستحسان انتقال من حكم ثبت بدليل عام أو قياس جلي إلى
(1) الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقها على المذهب الراجح، أ. د. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1420 هـ -2000 م، (ص 384).
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، (5/ 138)، المغني، لابن قدامة، (8/ 103 - 104)، البحر المحيط، للزركشي، (6/ 89).
حكم آخر ثبت بدليل خاص أو قياس خفي، أو انتقال من حكم في مسألة مندرجة تحت قاعدة كلية أو أصل عام إلى حكم مستند للضرورة أو الحاجة أو المصلحة أو مقتضى العرف والعادة.
وبذلك يتضح أن الاستحسان أداة من أدوات تغير الفُتيا "وأنه من أهم الأصول التطبيقية التي تنتج أحكامًا متغيرة وفق الحاجة، فهو طريقة عملية في تطبيق أدلة الشريعة وقواعدها، عندما تصادم واقع الناس في بعض جزئياتها، فهو النافذة التي يطل منها الفقيه على واقعهم، فيرفع عنهم الحرج ويدفع الضرر، ويحقق المنافع بتطبيق مبادئ الشريعة وأصولها، وهذا يتحقق حينما يكون إعمال الدليل على عمومه في بعض الحالات يؤدي إلى فوات مصلحة الدليل أو إلى تحصيلها وتفويت ما هو أعظم منها، فهنا لا يؤخذ بعموم الدليل في هذه الحالة؛ لأن الشارع لم يقصد بتطبيق هذا الدليل العام الحالات التي يؤدي منها تطبيق هذا العموم إلى ضرر، أو عدم حصول المصالح المقصود تحصيلها بهذا الدليل العام، فهنا يدخل الاستحسان ليبين خروج هذه الحالة من العموم ووجه عدم انطباق المصلحة عليها"(1).
فالاستحسان -إذن- أداة لتغير الفتيا، يعطي المفتي مساحة من المرونة يلتمس فيها المصلحة المتفقة مع مقاصد الشرع "بحيث إذا عرضت واقعة يقتضي عموم النص فيها حكمًا أو يقتضي الأصل الظاهر حكمًا فيها أو يقتضي تطبيق الحكم الكلي حكمًا فيها، وظهر للمجتهد أن لهذه الواقعة ظروفًا وملابساتٍ خاصة تجعل تطبيق النص العام أو الحكم الكلي عليها أو اتباع القياس الظاهر فيها يُفَوِّتُ المصلحة، أو يؤدي إلى مفسدة،
(1) الفقه التطبيقي: رؤية جديدة لفقه متغير، لعبد الله العلويط، (ص 38).
فعدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر اقتضاه تخصيصها، من العام، أو استثناؤها من الكلي، أو اقتضاه قياس خفي غير متبادر، فهذا العدول هو الاستحسان" (1).
وعليه: فإن "المجتهد إذا عرضت له نازلة يقتضي عموم النص فيها حكمًا، أو يقتضي القياس الظاهر المتبادر حكمًا، أو يقتضي تطبيق الحكم الكلي فيها حكمًا، وظهر للمجتهد أن لهذه النازلة ظروفًا وملابساتٍ خاصةً تجعل تطبيق النص العام أو الحكم الكلي عليها أو اتباع القياس الظاهر منها يُفَوِّتُ المصلحة أو يؤدي إلى مفسدة، فعدل فيها عن هذا الحكم إلى حكم آخر اقتضاه تخصيصها من العام، أو استثناؤها من الكلي، أو اقتضاه قياس خفي غير متبادر -فهذا العدول هو الاستحسان، وهو من طرق الاجتهاد بالرأي يحتاج إليه الناظر المجتهد في تقدير الظروف الخاصة لهذه الواقعة، وترجح دليل على آخر للوصول إلى الحكم المناسب لها، الموافق لمقاصد الشرع وكلياته"(2).
كالاستحسان بالنص ممثلين له ببيع السَّلَم وبيع العرايا، واستحسان بالإجماع ممثلين له بالاستصناع، واستحسان بالعرف أو العادة ممثلين له بجريان العرف في الأيمان، كمن قال: والله لا أدخل بيتًا فدخل مسجدًا لم يحنث، واستحسان بالضرورة ممثلين له بما يصعب التحرز عنه، مثل: من صار إلى حلقة ذباب لم يفطر، والعفو عن يسير الغبن في المعاملات (3).
(1) تغير الفتوى بتغير الحال، د. سيد درويش، (ص 276).
(2)
منهج استنباط أحكام النوازل، د. مسفر القحطاني، (ص 415).
(3)
كشف الأسرار، لعبد العزيز البخاري، (4/ 6 - 8)، أصول السرخسي، (2/ 202 - 203)، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي، د. مصطفى ديب البغا، دار الإمام البخاري، دمشق، (ص 140 - 150)، فتح الغفار بشرح المنار، لزين الدين ابن إبراهيم الشهير بابن نجيم الحنفي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 1، 1355 هـ - 1963 م (3/ 33 - 34).