الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
الرجوع إلى أهل الشأن والاختصاص، وسؤالهم عما يتعلق بهذه النازلة ومباحثتهم فيما يشكل من تفاصيلها (1)؛ فلا بدَّ من معرفة أصولها وفروعها وظروفها، ولا بدَّ كذلك من تحديث المعلومات؛ فإن الأساليب تتجدد وتختلف من عصر لآخر، وزماننا من أشد الأزمنة تغيرًا وتطورًا، وقد سمي بعصر السرعة -وهو كذلك- فلا يليق بالفقيه أن يكون بمعزل عن هذه التطورات والتغيرات، وإلا ضلَّ وأضلَّ، والله المستعان. هذا ما يتعلق بالمدرك الأول وهو التصور (2).
وعليه فإن الحكم مثلًا على طفل الأنابيب، أو التأمينات في ديار الأقليات، أو الاستنساخ، ونحو ذلك موقوف بشكل أوليٍّ على فهم حقيقة هذه المصطلحات، وتصور مدلولها بشكل واضح.
المدرك الثاني: التكييف:
وهذا المصطلح وإن كان حديث الاستعمال إلا أن الفقهاء القدامى قد مارسوه تحت تسميات عدة، وألفاظ مختلفة، مع اتحاد المعنى مع "التكييف"، فقد أطلقوا عليه، حقيقة الشيء وماهيته، وطبيعته، والقياس، والتخريج الفقهي، والأشباه الفقهية.
ومن أحسن التعريفات للتكييف الفقهي ما ذكره الدكتور محمد عثمان شبير بقوله:
"هو تحديد حقيقة الواقعة المستجدة لإلحاقها بأصل فقهي خصَّه الفقه الإسلامي بأوصاف فقهية، بقصد إعطاء تلك الأوصاف للواقعة المستجدة عند التحقق من المجانسة والمشابهة بين الأصل والواقعة المستجدة في الحقيقة"(3).
(1) فقه النوازل، للجيزاني، (1/ 44).
(2)
منهج استنباط أحكام النوازل، لمسفر القحطاني، (ص 366 - 367)، المدخل إلى فقه النوازل، د. عبد الناصر أبو البصل، (ص 3).
(3)
التكييف الفقهي للوقائع المستجدة وتطبيقاته الفقهية، للدكتور محمد عثمان شبير، دار القلم، دمشق، ط 1، 4251 هـ - 2004 م، (ص 30).
وكذلك ما استنبطه الدكتور مسفر القحطاني بقوله: "التصور الكامل للواقعة وتحرير الأصل الذي تنتمي إليه"(1).
وكذا ما ذكره الدكتور محمد الجيزاني بقوله:
"تصنيف المسألة تحت ما يناسبها من النظر الفقهي، أو يقال: هو ردُّ المسألة إلى أصل من الأصول الشرعية"(2).
وقد عُرِّف التكييف بتعريفات أخرى كثيرة لا تخلو من انتقاد، أعرضنا عنها خشية الإطالة.
ويتلخص من التعريفات المذكورة أن تكييف النازلة متوقف على تحصيل أمرين:
1 -
حصول الفهم الصحيح والتصور التام للمسألة النازلة، كما مضى بيانه في المدرك الأول.
2 -
أن يكون لدى الناظر المعرفة التامة بأحكام الفقه وقواعده، وهذا إنما يتأتَّى لمن استجمع شروط الاجتهاد.
ولا شك أن التكييف الفقهي للنازلة من أهم خطوات استنباط حكمها؛ لأنه يضع الأمر النازل في إطار توصيف دقيق لواقع المسألة، مما يُعِين على إلحاقها بباب من أبواب الفقه تدرس في إطاره، ويُلْتَمَسُ حكمها في سياقه.
والتكييف نوعان: بسيط ومركَّب.
فالبسيط هو الجليُّ، وهو ما سهل فيه ردُّ النازلة إلى أصل فقهي واضح.
والمركَّب هو ما أشكل فيه ردُّ النازلة إلى أصل فقهي معين، بل يتجاذب النازلةَ أكثرُ من أصل.
ويمكن في هذا النوع دون النوع الأول أن تجعل النازلة مسألة مستقلة بذاتها بحيث ينظر إليها باعتبار أنها مركَّبة من عدة أصول، ولا تُرَدُّ إلى أصل معين من الأصول الفقهية المقررة
(1) منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، د. مسفر القحطاني، (ص 354).
(2)
فقه النوازل، للجيزاني، (1/ 47).