الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد شارك يوسف -فعلًا- في الحكم في مجتمع مشرك، لا يقوم الحكم فيه على قواعد الإسلام، وإنه حين طلب هذه الولاية علل طلبه بأنه يتمتع بصفات تؤهله لتحمل المسئولية، فوصف نفسه بأنه: حفيظ عليم.
ويقول الدكتور عمر الأشقر: "بناءً على ذلك كله، يظهر لنا جواز المشاركة في الحكم غير الإسلامي، من خلال عرض قصة يوسف عليه السلام، إذا كان يترتب على ذلك مصلحة كبرى، أو دفع شرٍّ مستطيرٍ، ولو لم يكن بإمكان المشارك أن يُغَيِّرَ في الأوضاع تغييرًا جِذريًّا"(1).
ثانيًا: السنة المطهرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذَّنَ في الناس أنه: "لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجلِ الفاجرِ"(2).
وجه الدلالة:
لا يُمْتَنَعُ عن ترشيح بعض الفجرة أو الكفرة في الانتخابات فقد يُقَدِّمُ منافعَ جليلةً للجالية الإسلامية هناك.
فالتقدُّمُ لانتخاب هذا الفاجر لا حرج فيه شرعًا، إذا غلب على الظن أنه يخدم ما رُشِّحَ له بقوة وأمانة.
ويظهر من هذه الآيات والأحاديث "وجوب الانتخاب والتقدُّم للتصويتِ في الانتخاباتِ التي يكون من حقِّ المسلم المشاركةُ فيها، وأن التخلف عن ذلك فيه إثمُ مخالفةِ الشرعِ وتركِ الواجبِ، حتى لو كان المرشَّحُ فاجرًا، ما دام صالحًا لما يُرَشَّحُ له،
(1) حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية، د. عمر الأشقر، دار النفائس، عمان، 1992 م، (ص 32).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب: العمل بالخواتيم، (6606)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. . .، (111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
ويُرْجَى نفعُهُ للمجتمع عامَّةً والمسلمين خاصَّةً" (1).
وقد استدل هذا الفريق على جواز تولي الولاية العامة قي ظل حكومة غير إسلامية، أو حكومة لا تحكم بشريعة الله بموقف النجاشي فقد ظلَّ حاكمًا على نظام يحكم بغير شريعة الله بعد إسلامه، ومع ذلك اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا صالحًا، وصلى عليه بعد موته، ولم يُخَطِّئْهُ في فعله، ومما يشهد بإسلامه: حديث البخاري الذي فيه أنه عليه السلام حين بلغه وفاة النجاشي قال: "مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلُّوا على أخيكم أصحمةَ"(2). وجميع الروايات التي ذكرها البخاري حول موت النجاشي، ونعي النبي صلى الله عليه وسلم له، والصلاة عليه، ومنحه وصف الصلاح، تؤكد أنه كان مسلمًا، مع أنه كان ملكًا لأمة كافرة، يحكمها وفق ما اعتادته من نظام وأعراف، وقد وصفه ابن حجر بأنه "كان ردءًا للمسلمين نافعًا"(3).
وقد ساق الدكتور عمر الأشقر مجموعة من الأدلة على أن النجاشي رضي الله عنه لم يحكم في قومه بشريعة الإسلام، منها: قوله في رسالته إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فإني لا أملك إلا نفسي"، ومنها: أن قومه قد خرجوا عليه يريدون خلعه، فنصره الله على خصمه، وكان حجته على قومه أنه لم يُغَيِّرْ، ولم يُبَدِّلْ مما عرفوه عنه، مع أنه اعتقد بالإسلام باطنًا، وبعث يعلم رسول الله بمعتقده (4).
قال ابن تيمية رحمه الله: "والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرًا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيًا، بل وإمامًا، وفي
(1) مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية، د. صلاح سلطان، (ص 57 - 58).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب: موت النجاشي، (3877)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب: في التكبير على الجنائز، (952) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا.
(3)
الإصابة، لابن حجر، (1/ 205).
(4)
حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية، د. عمر الأشقر، (ص 74 - 75).