الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، وسائر ما يعتري الألفاظ من وجوه الدلالات، ومن ذلك أيضًا: معرفة آثار الصحابة والإشراف على مسائل الخلاف والوقوف على مواضع الإجماع، والاطلاع على الفتاوي، ومعرفة اختلاف العلماء في لسان العرب، والإحاطة بوجوه الجمع والترجيح، ومعرفة القواعد الكليات الجامعة للجزئيات، والأصول التي تنطوي تحتها الفرعيات، ومعرفة الأشباه والنظائر، وملاحظة الفروق بين المسائل (1).
فهذه جملة الآلة التي لا بدَّ منها للمجتهد حتى يصلح له النظر في المستجدات، ويعتبر له قول، وتُقبل له فتوى في نائبات المسائل والنوازل، والاجتهاد منصِبٌ يقبل التجزؤ على الصحيح من أقوال أهل العلم، وعليه لا يلزم المجتهد في الواقعة إلَّا أن يكون ملمًا بما تَرِدُ إليه من القواعد والأصول، عارفًا بما يختصُّ بها من الأخبار والأقوال.
المطلب الثاني: ضوابط في أثناء استنباط الحكم على النازلة:
سبق الكلام في المطلب الأول على بعض الضوابط التي يحتاجها الناظر في النوازل قبل الفُتيا في الواقعة، وفي هذا المطلب بيان لبعض الضوابط والآداب التي ينبغي أن تراعى أثناء استنباط حكم النازلة والفتيا فيها؛ ومن هذه الضوابط ما يلي:
أولًا: أن يتطابق الاجتهاد مع ما يحقق العبودية لله رب العالمين:
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
فالإسلام هو الاستسلام لله، والتجرد من متابعة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشريعة وضعت ليخرج المكلف من عبادة النفس والهوى إلى عبادة المولى جل وعلا، فإمَّا أن يكون المرء عبدًا لله، وإلا فهو عبد لغيره، وغيره قد يكون هواه، فكل من استكبر عن
(1) الأم، للشافعي، (9/ 76 - 77).
عبادة الله لا بدَّ أن يعبد غيره (1).
قال ابن القيم في النونية:
هَرَبُوا مِنَ الرِّقِ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ
…
فبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ والشَّيْطَانِ
ويدل لهذا قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: 23].
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من انشغل بالدنيا ورضي بها وكانت هي محلَّ سعادته ومعقدَ ولائه وبرائه عابدًا لها، فقال صلى الله عليه وسلم:"تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعْطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. . ."(2).
والعبادة ليست قاصرة على الشعائر، بل معناها جامع، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة (3).
فالدين كله داخل في العبادة، ومن ثم فتصرفات المسلم كلها يجب أن تكون ضمن إطار العبادة، لأجل تحقيق العبودية لله رب العالمين، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بأصلين:
1 -
أن لا يعبد إلا الله.
2 -
أن لا يعبد الله إلا بما أمر وشرع (4).
فلا يعبد الله بغير ذلك من الأهواء والظنون والبدع.
(1) العبودية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 7، 1426 هـ - 2005 م، (ص 100).
(2)
أخرجه: البخاري، كتاب الجهاد، باب: الحراسة في الغزو في سبيل الله، (2886، 2887)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
العبودية، لابن تيمية، (ص 44).
(4)
المرجع السابق، (ص 71).