الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالاستحسان، وذكر الزرقاني رحمه الله (1) أربع مسائل صرح مالك فيها بالاستحسان فذكره بلفظه، وإلَّا فقد عمل به فيما فوق تلك المسائل، وأما تلك المسائل فقد انفرد باستحسانها دون باقي الأئمة (2).
كما اشتهر عنه مراعاة الخلاف؛ كما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ذلك أيضًا (3).
وعُنِيَ المالكية بكتب النوازل والمسائل، ودونوا في ذلك شيئًا كثيرًا.
مذهب أبي حنيفة:
وأما الإمام أبو حنيفة رحمه الله فقد أكثر من الاستدلال بالاستحسان، ومعلومٌ اعتمادُهُ على رفع الحرج والمشقات، وتحصيل المصالح والمنافع بالاجتهاد، وذلك حين يؤدي القياس إلى غلو أو ضرر أو مشقة شديدة.
كما ظهر في فقهه مراعاة الأعراف والعمل بموجبها، وهو أمر أدى إلى مرونة ظاهرة في مذهبه، ويسر بالغ في فروعه ومسائله.
كما عرف للحنفية موقف من أحاديث الآحاد؛ حيث لم يكتفوا بما اشترطه أهل الحديث وجمهور الفقهاء من شروط لقبوله؛ بل أضافوا شروطًا، منها:
1 -
ألا يكون خبر الواحد مما تعم به البلوى، واحتج أبو حنيفة لردِّهِ بأن ما تعم به البلوى يكثر وقوعه فيكثر السؤال عنه، وما يكثر السؤال عنه يكثر الجواب عنه فيقع التحدث به كثيرًا، وينقل نقلًا مستفيضًا ذائعًا، فإذا لم ينقل مثله دلَّ على فساد أصله (4).
(1) عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن علوان الزرقاني، المصري المالكي، فقيه مالكي، من تصانيفه: شرح مختصر الشيخ خليل في الفروع، شرح الموطأ للأمام مالك، توفي سنة 1099 هـ. شجرة النور الزكية، لمحمد بن محمد مخلوف، (ص 304)، والأعلام، للزركلي، (6/ 184).
(2)
شرح الزرقاني على موطأ مالك، لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، دار الكتب العلمية، بيروت، (6/ 176).
(3)
المغني، لابن قدامة، (3/ 24).
(4)
تخريج الفروع على الأصول، لأبي المناقب، محمود بن أحمد الزنجاني، تحقيق: د. محمد أديب صالح، (ص 63)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1398 هـ.
2 -
ألَّا يخالف حديث الآحاد القياس حالَ كون راويه غير فقيه:
فهم يذهبون إلى تقديم القياس عليه في هذه الحالة، لا سيما مع عدم علم راويه بالفقه؛ لاحتمال خطئه (1).
3 -
ألَّا يخالف حديث الآحاد الأصول العامة حال كون راويه غير فقيه (2).
4 -
ألَّا يعمل الراوي بخلاف الحديث الذي رواه (3).
هذا، وقد تناول العلماء في بقية المذاهب رأي الحنفية بالمناقشة والتفنيد، وطال بينهم الحجاج في هذه المسائل الأصولية والضوابط العلمية للاستنباط.
ولا يَعني هذا ازورارًا من الحنفية وإمامهم عن الحديث وحجيته في مقابل الرأي؛ فقد نُقِلَ عن بعض الحنفية ما نصه: "إذا صحَّ الحديث وكان على خلاف المذهب عُمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيًّا بالعمل به؛ فقد صحَّ عن أبي حنيفة أنه قال: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، وقد حكى ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة"(4).
وقد قرَّر الحنفية ما يُفْتَى به في مذهبهم من تقديم قول الإمام لا سيما إذا كان معه أحد صاحبيه، فإن اختلف قولهما عن قوله لاختلاف الزمان وتغيره أخذ بقول المتأخر، وإذا اجتمع المتأخرون من أئمة المذهب على أمر اختير قولهم وعمل به (5)، كما عدوا مسائل يُفْتَى فيها بقول زفر (6)، وقدم قول أبي يوسف في القضاء مطلقًا (7).
(1) الفصول، للجصاص، (3/ 136).
(2)
المرجع السابق، (3/ 129 - 139).
(3)
المرجع السابق، (3/ 203).
(4)
حاشية ابن عابدين، (1/ 167).
(5)
المرجع السابق، (1/ 172).
(6)
أبو الهذيل، زفر بن الهذيل العنبري، الفقيه المجتهد أبو الهذيل ابن الهذيل بن قيس بن سلم، تفقه بأبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته، وكان ممن جمع بين العلم والعمل، وهو من بحور الفقه وأذكياء الوقت، وكان يدري الحديث ويتقنه، ولد سنة 110 هـ، وتوفي سنة 158 هـ. طبقات الفقهاء، للشيرازي، (ص 135)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (8/ 38).
(7)
حاشية ابن عابدين، (1/ 172 - 173).