الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقشة الأدلة:
أولًا: مناقشة أدلة القائلين بالمنع:
1 -
أما استدلالكم بالنصوص القطعية المحرِّمةِ للموالاة والتحاكم لغير الله ورسوله فمسلَّمٌ ولا نزاعَ فيه بين أهل الإسلام، وكلامنا في تجنس لا يَلْزَمُ منه حبُّهم ولا نصرتهم، ولا رضا القلب بمنكراتهم، أو مشاركتهم فيها، والمتجنِّس مأمور بأن يكون ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن يُظهرَ دينَهُ ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأن يتحاكمَ لشريعة الله، ويمكن أن يوصي بذلك في ميراثه إذا مات، على أن أكثر الدول الإسلامية لا تُحَكِّمُ شريعةَ الله، وفيها من الربا والظلم ما لا يخفى، كما أن كثيرًا ممن يقيم بالبلاد الإسلامية لهم ولاءاتهم للغربيين عقلًا وروحًا، فما الفرق إذن؟!
وأجيب:
بأن مجرد التجنس هو إعلان من المرء بخضوعه لأحكام الكفر وقبوله الولاء للكفر وأهله، سواء خضع بالفعل أو لا، فالجنسية "تعبير صريح قاطع عن ولائه للدولة التي يحمل جنسيتها وعن خضوعه لنظامها"(1).
ثم إنه لن يَسْلَمَ من الوقوع في الحرام أو المشاركة فيه؛ لأن صبغة المجتمع هكذا بخلاف دول المسلمين؛ فيمكن للمرء أن يجد مندوحةً وأن يتعامل معاملات شرعية مع إخوانه المسلمين؛ إذ لا تجبره قوانين بلاده على الربا في الغالب، وسيجد من يعينه على ذلك.
وعليه، فإن استقراء واقع المتجنسين يدل على غلبة المفسدة على المصلحة في هذا الشأن.
وأن التجنس في هذه البلاد يُعْتَبَرُ بدايةً راجحة للانفصال التدريجي عن جماعة المسلمين بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ولا سيما بالنسبة للجيل القادم من الأبناء الذين
(1) قضايا فقهية معاصرة، للبوطي، (ص 199).
ينشأون في محاضن هذه المجتمعات، ومشاربها العلمانية الجامحة، فيرتدُّ في الأعمِّ الأغلبِ عن الإسلام.
وقد نوقش هذا:
بأن ما طرأ على العمل الإسلامي ومؤسساته في الغرب من تطور ورسوخ ينهض دليلًا على نقيض ذلك، وإيًّا كان الأمر ففي الحالة التي يغلب على الظن فيها أن تؤول الأمور إلى ذلك، فهذه التي يُسْتَصْحَبُ فيها بعينها أصلُ المنع، ولكنه لا ينسحب بالضرورة على جميع الحالات (1).
2 -
وأما القول بأن التجنس يؤدي إلى إنكار ما عُلم من الدين بالضرورة وهو كفر؛ فلا يَلْزَمُ من التجنس هذا اللازمُ؛ بل لو تلبَّسَ المتجنِّس ببعض المحرمات؛ فلا يلزم منه استحلالُهَا بقلبه، وأهل السنة مجمعون على عدم تكفير المسلم بذنب ما لم يستحلَّهُ.
وأجيبَ:
بأن النصوص اعتبَرت من رضي بالتحاكم إلى قوانين الكفر كافرًا؛ لأنه لا يُعْقَلُ أن يتحاكم إليها طوعًا مع اعتقاده أحكامَ الإسلام؛ بل هو عين التناقض، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60].
ونوقش بأن:
كثيرًا ممن تجنسوا بجنسية هذه البلاد بَقَوا على وفائهم لدينهم وأمتهم، وقد استفادوا من هذا التجنس قوةً وظَّفوها في الدعوة إلى الله تعالى، وإقامة المؤسسات
(1) تأملات في مسيرة العمل الإسلامي، د. صلاح الصاوي. منشور بموقعه الشخصي الإلكتروني. www.assawy.com
والمراكز التي تُوَطِّنُ الدعوةَ وتجعلُهَا قارَّةً بدلًا من كونها مارَّةً أو مهاجرة، وتوطِّئُ لها مهادًا، وتُرْكِزُ لها لواءً في هذه المجتمعات، وعلى أيدي هؤلاء دخل كثير من الناس في دين الله.
وأجيبَ:
بأن هذا يتأتى للمقيم إقامةً طويلةً أو دائمةً من غير احتياج إلى مفسدة الدخول في عقد الجنسية باشتراطاته وإلزاماته.
3 -
وأمَّا القول بأن التجنس يُؤَثِّرُ على الذرية فَمُحْتَمَلٌ، والاحتمالُ يُسْقِطُ الاستدلالَ، ونحن نرى كثيرًا من أبناء الجاليات المسلمة متمسكًا بدينه وقيمه خاصَّةً في ظل التربية الإسلامية.
وأجيبَ:
بأن هذه مكابرةٌ وتعسفٌ، والذي اعتبروه احتمالًا هو الواقع إلا في قليل من الناس؛ فأغلب الأُسَرِ المسلمة تشكو انحلالَ الأخلاقِ والتفلُّتَ من الدِّينِ؛ بل منهم من يرتدُّ أولادُهُ أو تأخذُهُمْ أمهاتهم قَسْرًا بحكم قوانين تلك البلاد، وينسبونهم إلى الكفر، ولا يستطيعُ الوالد أن يُحَرِّكَ ساكنًا، وكذا لا يستطيع أن يربيَ أولادَهُ أو يأطرَهُمْ على الحق لو أَبَوا عليه، حتى لو وصل الأمر إلى الزنا وشرب الخمر -عياذًا بالله- فليس لولي البنت أو الابن أن يمنع ذلك، فضلًا عن أن يُعَاقِبَ عليه، بل لو فعل لعُوقِبَ وأُجْبِرَ على تأمين مكان مستقلٍّ لبناته وأبنائه للزنا والفجور -عياذًا بالله- فهل هناك أعظم من هذا فسادًا وانحلالًا؟!
4 -
وأما محذور المشاركة في جيوش الدول الكافرة.
فأجيب عنه:
بأنَّ الخدمة في جيوشِ كثيرٍ من تلك الدول اختياريةٌ، ولو فُرِضَ أن المسلم أُكْرِهَ على ذلك فهو مأمورٌ بأنْ يَفِرَّ أو يمتنعَ، ولو أُزْهِقَتْ روحُهُ.
وأجيب: