الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محاكم هذه الدولة، وإذا رُفِعَ إلى محاكم الدولة الأوروبية يجب مطالبتها بتطبيق أحكام القانون الذي بُنِيَ الزواج عليه، ولو كان الغالب في هذه الحالة أن تُطَبِّقَ المحاكمُ الأوروبية قوانينَهَا الخاصة باعتبار أحد الزوجين من جنسيتها، وهي تفترض أن قوانينها تحمي حقوقه، فنكون أمام حكم قضائي صادر عن دولة غير إسلامية، ويُلْزِمُ مسلمًا.
أما إذا كان عقد الزواج قد تم وفق قانون الدولة الأوروبية، والخلاف بين الزوجين حصل في أرضها فلا بدَّ أن تحكم في محاكمها وفق قوانينها، فنكون أمام حكم قضائي أوروبي يتناول إنسانًا مسلمًا (1).
وأما الحالة الثالثة: فهي محلُّ الإشكال فيما لو كان الزوجان من دولة أوروبية، فلا بُدَّ أن يعقد زواجهما وفق قانون تلك الدولة، حتى يصبح رسميًّا تترتب عليه آثاره القانونية، فإذا دَبَّ خلاف بينهما وانتهى الأمر إلى الارتفاع إلى القضاء في تلك البلاد بعد تعذُّرِ الوفاق والصلح والتحكيم الشرعيِّ الوديِّ، فوقع حكم بالطلاق من قاضٍ غيرِ مسلمٍ على زوجين مسلمين، فما الحكم؟
صدر بهذا الشأن قرار من المجلس الأوروبي للإفتاء، وفيما يلي نصه:
قرار المجلس الأوروبي للإفتاء:
" الأصل أن المسلم لا يرجع في قضائه إلا إلى قاضٍ مسلم، أو من يقوم مقامه، غير أنه بسبب غياب قضاء إسلامي حتى الآن يتحاكم إليه المسلمون في غير البلاد الإسلامية، فإنه تحين على المسلم الذي أَجْرَى عقدَ زواجه وفق قوانين هذه البلاد، تنفيذُ قرارِ القاضي غير المسلم بالطلاق؛ لأن هذا المسلم لمَّا عَقَدَ زواجه وفق هذا القانونِ غيرِ الإسلاميِّ، فقد
(1) بحث: حكم الطلاق الصادر عن قاضٍ غير مسلم، الشيخ فيصل مولوي، المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء، العدد الأول، 1423 هـ، (ص 170).
رضي -ضمنًا- بنتائجه، ومنها: أن هذا العقد لا يحلُّ عروتَهُ إلا القاضي، وهو ما يمكن اعتباره تفويضًا من الزوج جائزًا له شرعًا عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك؛ لأن القاعدة الفقهية تقول: المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، وتنفيذ أحكام القضاء -ولو كان غير إسلامي- جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد، وحسمًا للفوضى، كما أفاده كلام غير واحد من حُذَّاقِ العلماء؛ كالعز ابن عبد السلام، وابن تيمية، والشاطبي" (1).
وقد استند هذا القرار إلى أن الزوج بعقده للنكاح في ظل قوانين هذا البلد التي تسمح للقاضي غير المسلم بإيقاع الطلاق كأنه وَكَّلَ القاضي غيرَ المسلم بحلِّ العصمة بدلًا منه، وهي وكالة ممتدة طيلةَ بقاءِ النكاحِ بين الزوجين.
وفي هذا التخريج مِنَ البُعْدِ ما لا يخفى؛ فالأعمُّ -كما يقول العلماء- لا إشعارَ له بأخص معيَّنٍ، فعقدُ النكاح في تلك البلاد قد يكون صاحبه ذاهلًا وغافلًا عن مسألة الطلاق، فضلًا عن أن يكون عاقدًا توكيلًا، فكلُّ ما احتاج إلى إذن فإنه يحتاج إلى تصريح، كما تقول القاعدة؛ أخذًا من الحديث:"الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها"(2)(3).
كما أن هذا القرار يرى أن ثبوتَ النكاح إنما تم من جهة القضاء، فكذا التفريق، والحق أن النكاح المدني لا يعتدُّ به حتى يستكمل أركان العقد الشرعي وشروطه، فإذا انعقد العقد شرعًا، فلا مانع من توثيق العقد الشرعي توثيقًا مدنيًّا؛ وذلك لضمان
(1) القرار، (3/ 5) بالدورة الخامسة، 1421 هـ، مايو 2000 م.
(2)
أخرجه ابن ماجة، كتاب النكاح، باب: استئمار البكر والثيب، (1872)، والإمام أحمد في "مسنده"، (4/ 192)، وغيرهما، من حديث عدي الكندي رضي الله عنه. وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع"، (3084).
(3)
صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه، (ص 276 - 277).