الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة والمناقشات:
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بالمنع على مذهبهم بالقرآن، والسنة، ومقاصد الشريعة، والمعقول:
أولًا: القرآن الكريم:
1 -
قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28].
2 -
وجه الدلالة:
في هاتين الآيتين النهي عن اتخاذ ذوي القربى أولياءَ إن كانوا كفارًا، فكيف باتخاذ الأباعد أولياءَ وأصحابًا، وإظهار الموافقة لما هم عليهم والرضا به؟! وعليه فإن الحصول على الجنسية وسيلة إلى موالاة الكفار، وموافقتهم على دينهم الباطل، وهو محرم (1).
3 -
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
4 -
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ
(1) فتاوي اللجنة الدائمة، (2/ 69).
أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 144].
وجه الدلالة:
قال القرطبي: "ومن يتولهم منكم، أي: يعضدهم على المسلمين، فإنه منهم، بين الله تعالى أن حكمه كحكمهم؛ لأنه قد خالف الله ورسوله، كما خالفوا، ووجبت معاداته، كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار، كما وجبت لهم، فصار منهم، أي: من أصحابهم"(1).
وكما هو معروف أن الذي تجنس بجنسية الدولة غير الإسلامية يجب عليه أن يغير تبعية الدولة الإسلامية إلى دولة غير إسلامية، وهي من أهم صفات الولاء، وولاء الكفار كفر في الإسلام إذا كان رضاء بهم؛ ولذلك استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن التجنس بلا ضرورة، قصدًا لتفضيل تلك الجنسية على الجنسية الإسلامية كفر وردة (2).
5 -
قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
قال الشوكاني رحمه الله: "وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر منه الجلود، وترجف له الأفئدة، فإنه سبحانه أقسم أولًا بنفسه مؤكدًا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله، حتى تحصل لهم غاية، هي تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، فضم إلى التحكيم أمرًا آخر هو عدم وجود حرج، أي حرج في صدورهم"(3).
(1) تفسير القرطبي، (6/ 217) بتصرف واختصار.
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الاستفسارات المقدمة من المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الدورة الثالثة، 1987 م، (2/ 1152)، فتاوي الشيخ رشيد رضا، (5/ 1759).
(3)
فتح القدير، للشوكاني، (1/ 484).
وقال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: "إذ لا يقبل اجتماع الإيمان الصحيح برسالة الرسول مع إيثار غيره على الحكم الذي جاء به عن الله تعالى، ولا مع كراهة حكمه والامتعاض منه، ولا مع رده وعدم التسليم له بالفعل"(1).
فالآية تنفي الإيمان عن الذين لم يحكموا الرسول، أي: شرع الله فيما بينهم، ولم يرضوا بحكمه، ولم يسلموا له، والذي يتقبل جنسيةً أجنبيةً اختيارًا منه يقبل ويرضى ويفضل على شريعةِ الله شريعةَ غيره من البشر، فلا يكون مؤمنًا بالله ورسوله، ومن ثم فإن من يقبل التجنس بجنسية غر المسلمين ينطبق عليه حكم الآية.
كما أن التجنس بجنسية بلاد تُحِلُّ قوانينها الحرام المجمع عليه، وتُحَرِّمُ الحلال المجمع عليه وتبدل الشرع المجمع عليه يتضمن إقرارهم على تحليل الحرام، وتحريم الحلال، وإنكار ما علم من الدين بالضرورة، قال تعالى -في حق من استحل النسيء-:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 37]. وفي قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31]. وبيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم عبادَتَهُمْ لهم بقوله: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ " قلت: بلى، قال:"فتلك عبادتهم".
6 -
وجه الدلالة:
قال القرطبي رحمه الله: "وفي هذه الآية دليل على وجوب هجران الأرض التي
(1) فتاوي الشيخ رشيد رضا، (5/ 1757).
يُعْمَلُ فيها بالمعاصي، وقال سعيد بن جبير: إذا عُمِلَ بالمعاصي في أرض فاخرج منها" (1).
وقال الشوكاني رحمه الله: "وقد اسْتُدِلَّ بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك، أو بدار يُعْمَلُ فيها بمعاصي الله جهارًا إذا كان قادرًا على الهجرة، ولم يكن من المستضعفين؛ لما في هذه الآية الكريمة من العموم، وإن كان السبب خاصًّا، كما تقدم، وظاهرُهَا عدمُ الفرق بين مكان ومكان وزمان وزمان"(2).
وقال الآلوسي رحمه الله (3): " {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بترك الهجرة، واختيار مجاورة الكفار الموجبة للإخلال بأمور الدين، أو بنفاقهم وتقاعدهم عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعانتهم الكفرة"(4).
وفي الآية دليل على وجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن استطاع ذلك، ووعيدًا شديدًا للذين يتركون الهجرة، ويقبلون أن يعيشوا مستضعفين أذلاء.
فإذا كانت الآية تمنع من الإقامة في دار الكفر على هذا النمط، وتتوعد بوعيدٍ شديدٍ الذين يقبلونه، فالنهي عن الانتقال من دار الإسلام إلى دار الكفر والبقاء هناك من باب أولى؛ لأن الإقامة الدائمة في البلد المعطي الجنسيةَ هي أهم آثار الجنسية.
7 -
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ
(1) تفسير القرطبي، (5/ 346).
(2)
فتح القدير، للشوكاني، (1/ 505).
(3)
أبو الثناء، شهاب الدين، محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي الكبير، مفسر، محدث، أديب، من المجددين، من أهل بغداد، من مصنفاته: روح المعاني، نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول، ونشوة المدام في العود إلى دار السلام، ولد سنة 1217 هـ، وتوفي سنة 1270 هـ. الأعلام، للزركلي، (7/ 176)، معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (12/ 175).
(4)
روح المعاني، للألوسي، (5/ 125).