الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه فلا غرو أن يختلف المعاصرون -أيضًا- في هذه المسائل المطروحة ونحوها إلى فريقين: مجيز ومانع.
تحرير محل النزاع:
• وإذا كان مفهوم العمل السياسي في الشرق يكاد يقتصر على السعي لنصرة الدين من خلال المشاركة في مؤسسات صناعة القرار السياسي -كالأحزاب السياسية، والمجالس النيابية، ونحوها- فإن مفهومه في الغرب يتسع لكل سعي في نصرة الدين من خلال القنوات الرسمية بصفة عامة؛ فيتسع بذلك لكثير من الأنشطة الدعوية التي اتفق الناس كافة على مشروعيتها؛ فلم يُخْتَلَفْ فيها، ولم يُخْتَلَفْ عليها.
• فالعمل السياسي في الغرب منه ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه؛ فما كان من جنس أعمال الاحتساب العام كالإنكار على ما يقع من الظلم والعسف، وتعمد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، وإعلان هذا النكير بمختلف وسائل التعبير المتاحة في هذه المجتمعات- فإن مثل هذا ينبغي أن يكون في أصله من المحكم الذي لا يُخْتَلَفُ فيه ولا يُختَلَفُ عليه، ولا يدخل ابتداءً في محل النزاع، أمَّا مَا كان من جنس العمل السياسي بمفهومه الخاص (المشاركة في مؤسسات صنع القرار السياسي كالأحزاب النيابية ونحوه) فهذا هو موضع النظر؛ لاختلاط المصالح بالمفاسد في مثل هذه الأعمال.
وقد تقدَّمَ أن المقصود بالعمل السياسي في هذا المقام هو المشاركة في صنع القرار السياسي من خلال الأحزاب السياسية والمجالس النيابية، وغيرها من المؤسسات السياسية والدستورية للدولة، مع ما يستتبعه ذلك من التحالفات المؤقتة مع بعض القوى السياسية الأخرى، أو استعمال بعض الآليات الديموقراطية المتاحة، كالتظاهر، والعصيان المدني، وتكوين جماعات الضغط ونحوه؛ وذلك بغيةَ تحصيل بعض المصالح الشرعية للأقليات الإسلامية، كحماية حقوقها السياسية والمدنية، ونحوه، وتعطيل أو
تقليل بعض المظالم الواقعة عليها، ونصرة قضايا الأمة العادلة، وكسب التأييد الدولي لها.
ومما يخرج عن اعتباره من محل النزاع قولٌ لا يُلْتَفَتُ إليه يتضمن إطلاق القول بتكفير مَنْ دخل في هذا العمل إيًّا كان مقصوده ونيته، وهو من الإطلاقات الفاحشة التي ترد على أصحابها؛ فإن البرلمانيين في ظل العلمانية أنواع:
• فمنهم من بقي على أصل إيمانه بالله ورسوله، محبًّا للشريعة ومنحازًا لفسطاطها، وكان له نوع تأوُّلٍ في دخوله إلى هذه المواقع، أو بقائه فيها كتحصيل بعض المصالح، أو دفع بعض المفاسد، فهذا له حكم أمثاله من أهل الإسلام، وأمرُهُ إلى الله.
• ومنهم من انحاز إلى العلمانية، وأعلن انتماءه لها، وتبنيه لمقرراتها، فهذا له حكم أمثاله من العلمانيين العقديين.
• ومنهم المغيبون عن حقيقة ما يجري في العالم من الصراعات الفكرية والسياسية من العامة وأشباه العامة، ولا أربَ لهم في سعيهِمْ إلى هذه المواقع، إلا ما يكون لطلاب الدنيا عادةً عند تطلعهم إلى المناصب والألقاب، مع بقاء انتسابهم إلى الإسلام في الجملة، وإقرارهم بشرائعه على الجملة، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من جهلاء أهل الإسلام، ممن خلطوا عملًا صالحًا وآخرَ سيئًا، وهم في خطر المشيئة يوم القيامة، إلا إذا أُقيمت عليهم الحجة الرسالية التي يَكْفُرُ معاندُهَا (1).
وغني عن البيان أن العمل السياسي لا يُحِلُّ حرامًا ولا يُحَرِّمُ حلالًا؛ فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، وجميع الأعمال في ذلك سواء، وعلى هذا فالأصل العام أن يتقيد العمل السياسي بمرجعية الشريعة، وأن ينضبط بضوابط المصلحة الشرعية، وأن يراقبَ مشروعيتَهُ ثلةٌ من الفقهاء والخبراء، ممن يُحْسِنونَ الفهم
(1) توصيات ندوة المشاركة السياسية بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، (ص 441).