الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعتبر ذلك كافيًا للقول بطهارة هذه المياه، وهل تجزئ الطهارة بها في إزالة خبثٍ ورفعِ حدثٍ؟
عُرِضَتْ هذه المسألة على المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة في مكة في شهر رجب عام 1409 هـ، ونُشِرَ الجوابُ بمجلة المجمع، كما وَرَدَ سؤال من جنوب إفريقيا إلى هيئة كبار العلماء بالسعودية عن نفس الموضوع.
وفيما يلي نص القرارين:
أولاً: قرار المجمع الفقهي:
". . . نظر في السؤال عن حكم ماء المجاري بعد تنقيته، هل يجوز رفع الحدث بالوضوء والغسل به؟ وهل تجوز إزالة النجاسة به؟
وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيماوية، وما قرَّروه من أن التنقية تتمُّ بإزالة النجاسة منه على مراحلَ أربعٍ، وهي: الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة أثرٌ في طعمه، ولونه، وريحه، وهم مسلمون عدولٌ موثوقٌ بصدقهم وأمانتهم.
قرر المجمع ما يأتي: أن ماء المجاري إذا نُقِّيَ بالطرق المذكورة، أو ما يماثلها، ولم يَبْقَ للنجاسة أثرٌ في طعمه، ولا في لونه، ولا في ريحه صار طهورًا، يجوز رفع الحدث، وإزالة النجاسة به، بناءً على القاعدة الفقهية التي تُقَرِّرُ: أن الماء الكثير الذي وقعت فيه النجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه، إذا لم يَبْقَ لها أثرٌ فيه، والله أعلم".
وقد توقَّفَ في هذا القرار عضوُ المجمعِ الشيخُ صالح الفوزان، وخالف د. بكر أبو زيد رحمه الله وكتب عليه وجهة النظر الآتية: "الحمد لله، وبعد: فإن المجاري في الأصل مُعَدَّةٌ لصرف ما يضرُّ الناس في الدين والبدن طلبًا للطهارة ودفعًا لتلوث البيئة.
وبحكم الوسائل الحديثة لاستصلاح ومعالجة مشمولها لتحويله إلى مياه عذبة منقاة صالحة للاستعمالات المشروعة والمباحة، مثل: التطهر بها، وشربها، وسقي الحرث
منها، بحكم ذلك صار السبر للعلل والأوصاف القاضية للمنع في كلِّ أو بعضِ الاستعمالات، فتحصَّلَ أن مياه المجاري قبل التنقية مُعَلَّةٌ بأمور:
الأول: الفضلات النجسة باللون والطعم والرائحة.
الثاني: فضلات الأمراض المعدية، وكافة الأدواء والجراثيم (البكتيريا).
الثالث: علة الاستخباث والاستقذار لما تتحول إليه باعتبار أصلها، ولما يتولد عنها في ذات المجاري من الدواب والحشرات المستقذرة طبعًا وشرعًا.
ولذا صار النظر بعد التنقية في مدى زوال تلكم العلل، وعليه:
فإن استحالتها من النجاسة بزوال طعمها ولونها وريحها، لا يعني ذلك زوالَ ما فيها من العلل والجراثيم الضارَّةِ، والجهات الزراعية توالي الإعلامَ بعدم سقي ما يؤكل نتاجُهُ من الخضار بدون طبخ فكيف بِشُرْبِهَا مباشرةً، ومن مقاصد الإسلام: المحافظةُ على الأجسام؛ ولذا لا يُوْرَدُ ممرضٌ على مصحٍّ، والمنع لاستصلاح الأبدان كالمنع لاستصلاح الأديان.
ولو زالت هذه العلل لبقيت علةُ الاستقذار والاستخباث باعتبار الأصل لماءٍ يُعْتَصَرُ من البول والغائط فَيُستعمل في الشرعيَّات والعادات على قدم التساوي.
وقد عُلِمَ من مذهب الشافعية، والمعتمَدِ لدى الحنبلية أن الاستحالة هنا لا تؤول إلى الطهارة مُسْتَدِلِّينَ بحديث النهي عن ركوب الجلَّالة وحليبِها (1) رواه أصحاب السننِ وغيرُهم ولعللٍ أخرى.
مع العلم أن الخلاف الجاري بين متقدمي العلماء في التَّحَوُّلِ من نجس إلى طاهر هو
(1) أخرجه: أبو داود، كتاب الأطعمة، باب: النهي عن أكل الجلالة وألبانها، (3787)، والترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها، (1824)، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب: النهي عن لحوم الجلالة، (3189)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها"، وليس عند الترمذي وابن ماجه:(الركوب). قال الترمذي: "حديث حسن غريب". وفي الباب: عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.