الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي حكم به وألزم به الأُمَّة! قل: هذا حكم زفر، ولا تقل: هذا حكم الله (1).
سابعًا: مراعاة الحال والزمان والمكان، أو فقه الواقع المحيط بالنازلة:
قد تتغير الفُتيا بتغير الزمان والمكان إذا كان الحكم مبنيًّا على عرف البلد، ثم تغير العرف إلى عرف جديد لا يخالف النصوص الشرعية، كألفاظ العقود والطلاق واليمين، ونحوها.
فعلى المفتي مراعاة هذا الأصل وضبطه، فربَّ فتوى تصلح لعصر دون عصر، ومصر دون مصر، وشخص دون شخص، بل قد تصلح لشخص في حال، ولا تصلح له في حال أخرى.
ولعل من المهم أن نشير -مرة أخرى- إلى بعض الضوابط الهامة التي سبقت، والتي يجب أن تراعى عند تغير الأزمنة أو الأمكنة أو الظروف، مما يؤدي إلى تغير الفتيا، ومنها:
1 -
أن الشريعة الإسلامية ثابتة لا تتغير بتغير الأحوال ومرور الزمان، وكون بعض الأحكام الشرعية تختلف بسبب تغير الزمان أو المكان أو العرف فليس معناه أن الأحكام مضطربة -عياذًا بالله- أو متباينة، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
وإنما ذلك لأن الحكم الشرعي لازمٌ لعلته وجارٍ معها، فيدور معها وجودًا وعدمًا، فإذا اختلفت الأحوال والأمكنة والأزمنة اختلفت العلل في بعض الأحكام، فيتغير الحكم بناءً على ذلك، وهو عين المصلحة والحكمة واليسر ورفع الحرج، وذلك من كمال الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ولله الحمد والمنة.
2 -
إن تغير الفُتيا بتغير الزمان أو الكان أو العوائد والأعراف، ونحو ذلك، ليس خاضعًا للتشهي وأهواء الناس، وإنما يرجع لوجود سبب شرعي يدعو المجتهد إلى إعادة النظر في مدارك الأحكام، ومن ثم تتغير الفُتيا تبعًا لتغير مداركها نتيجةً لمصالح
(1) المرجع السابق، (4/ 175 - 176).
معتبرة شرعية، وأصول ثابتة مرعية؛ إذ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
3 -
إن تغير الفُتيا يجب أن يكون مقصورًا على أهل الفُتيا والاجتهاد من العلماء الربانيين الذين يخشون الله وينصحون لعباد الله، ويسيرون في دربهم على بصيرة واتباع، لا على هوى وابتداع، وليس لمن قصر باعه وقلَّ اطلاعه في العلم، ولا لمن بضاعته مزجاة أن يتصدر لذلك أو يمارسه، وإلا أفسد أكثر مما يصلح وأضلَّ الناسَ بغير علم، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144]، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].
وكلما كان المفتي أعلمَ بالشريعة وأصولها وقواعدها، وأعظمَ ممارسة، وأوسعَ اطلاعًا، وأخشى لله وأعلمَ به -كان اجتهاده أضبطَ ونظره أصوبَ.
وكذلك كلما كان النظر جماعيًّا وتمهَّل الإنسان وتأنَّى وتثبَّت واستشار أهل الخبرة والاختصاص والنظر الصحيح كان أوفقَ للحق، فإن يد الله مع الجماعة {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83] (1).
غير أنه لا يصح أن يُطْلَقَ العنانُ في ذلك للمفسدين والمبطلين ومتبعي الهوى؛ ليخالفوا النصوص والقواعد بحجة مراعاة العرف والزمان والمكان، أو ليتأولوا تأويلًا باطلًا متعسفًا، أو ليطوعوا الشريعة لواقع غير إسلامي بدعوى فهم الواقع، ومراعاة
(1) بحث تغير الفتوى، د. محمد عمر بازمول، دار الهجرة، الثقبة، ط 1، 1415 هـ، (ص 56)، بحث تغير الفُتيا، د. الغطيمل، (ص 21 - 22)، بحث فقه الواقع، د. حسين الترتوري، (ص 71 - 114).