الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجوه التي تشترك فيها الأديان والأخلاق الإنسانية العامة.
ب - الحفاظ على حقوق الأقليات القانونية التي يمنحها القانون لكل مواطن بصرف النظر عن جنسيته، وألا يُعَامَلَ المسلمون معاملةً خاصة، كما جرى بعد أحداث سبتمبر في بعض التصرفات، وإصدار بعض قوانين الهجرة، والتنصت والتوقيف والحجز.
الترجيح:
ظاهر أن الأدلة التي ساقها المانعون ليست في محل الخلاف، وأن هذه المشاركة السياسية ليست عند المبيحين تسويغًا للحكم بغير ما أنزل الله، بقدر ما هي إنكار للمنكرات وتحقيق للمصالح التي تمس إليها حاجة الأقليات.
وما يترتب على هذا من مفاسدَ فإنها تُحْتَمَلُ لتحصيل المصلحة الأعلى، وتحقيق النفع الأولى.
وفي هذا الإطار يفهم قول العز ابن عبد السلام: "ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك جليًا للمصالح العامة، ودفعًا للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده، تعطيل المصالح العامة، وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال في من يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها"(1).
كما أن الشيخ محمد رشيد رضا في جوابه على سؤال مضمونه: "هل يجوز للمسلم المستَخْدَمِ عند الإنجليز الحكمُ بالقوانين الإنجليزية، وفيها الحكم بغير ما أنزل الله؟ " فأجاب بالجواز، وقال:"وعلى من قامَ أن يخدمَ المسلمين بقدر طاقته ويقويَ أحكام الإسلام بقدر استطاعته، ولا وسيلة لتقوية نفوذ الإسلام وحفظ مصلحة المسلمين مثل تقلد أعمال الحكومة" إلى أن يقول: "والظاهر أن ترك أمثاله من أهل الخبرة للقضاء وغيره من أعمال الحكومة تأثمًا من العمل بقوانينها، يضيع على المسلمين معظم
(1) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (1/ 121 - 122).
مصالحهم في دينهم ودنياهم، وما نكب المسلمون في الهند ونحوها، وتأخروا إلا بسبب الحرمان من أعمال الخدمة" (1).
وعند القول بالجواز فلا بد من الانضباط بالحذر من مزالق هذا العمل والانضباط بضوابطه.
ومن هذه المحاذير:
• شَقُّ الصف الإسلامي، وتفجيرُ الفتنِ بين فضائله لتباين الاجتهادات حول هذه القضية ابتداءً من ناحية، أو لتباين الاجتهادات حول بعض تطبيقاتها وآلياتها من ناحية أخرى.
• التورط في إدانة الفصائل الأخرى العاملة للإسلام، ودمغها بالجمود أو الإرهاب عندما لا تتجاوب مع الطرح السياسي الذي تقدمه التجمعات التي تتحمس لهذا العمل.
• التورط في بعض المواقف الفقهية أو التصريحات الإعلامية التي لا تتفق مع أصول الشريعة والتي تستفز أهل البصيرة من المؤيدين لهذا العمل أو المعارضين له على حد سواء.
• الاستدراج إلى تنازلات لا تُقَابَلُ بمصالح راجحة، والتنازل إذا بدأ فليس له حد ينتهي إليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى!
• لا يجوز لأهل الإسلام -في خضم هذا العمل- أن ينصروا كافرًا على مسلم إلا من ظلم، ولا يعينوه على مسلم إلا بالحق.
• لا يليق بالفئات المسلمة في تلك الديار أن تجعل ولاءها مرتبطًا بنزعات إقليمية أو عصبيات قومية، وإنما الولاء للإسلام فحسب.
لا يصلح لمن تجشموا أمر المشاركة السياسية في بلاد الأقليات أن يكونوا متفرقين، أو أن يعيشوا أوزاعًا متخالفين، بل لا بد أن يكونوا متحدين ومتفقين، ليتحقق من وراء ذلك تعظيم المصالح وتكثير المنافع وتقليل المفاسد.
والله تعالى وحده هو الهادي والموفق لما فيه صلاح هذه الأقليات.
(1) مجلة المنار، لمحمد رشيد رضا (7/ 561).