الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انقضت حاجته في هذا البلد، فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم، وأنه لا بأس به، ولا تضر نيته" (1).
وفي فتح الباري: "فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله"(2).
وعليه: فإن حجة من أباح أنه عقد مطلق عن الشرط الفاسد فإذا وقع مستوفيًا لشرائطه فقد صح، وقد يظهر للزوجين استدامة العشرة بينهما، فيصح ولو كان قبل العقد تصريح بالتأقيت، جاء في الأم:"ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أيامًا، أو إلا مقامه بالبلد، أو إلا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين، أو غير يمين فسواء، وأكره له المراوضة على هذا، ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقًا لا شرط فيه فهو ثابت؛ لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين، وإن انعقد على الشرط فسد وكان كنكاح المتعة"(3).
الترجيح:
الذي يظهر من خلال عرض المسألة على ما سبق أن هذا الذي يسمى بالزواج الصوري بقصد الحصول على الجنسية أو الإقامة في غير دار الإسلام قد يصح، وذلك بقيد الاستكمال لشروطه والتحقق لأركانه، والتنبه لمحاذيره وضوابطه، ومنها:
1 -
أن يكون هذا العاقد ممن تحل له تلك الإقامة الدائمة، أو المؤقتة بتلك الديار، أو ممن يباح له التجنس بجنسيتها.
2 -
إذا كانت المرأة غير مسلمة فيشترط فيها ما يلي:
(1) المغني، لابن قدامة، (10/ 48 - 49).
(2)
فتح الباري، لابن حجر، (9/ 173).
(3)
الأم، للشافعي، (6/ 206).
• أن تكون متدينة بدين أهل الكتاب، وإلا اعتُبِرَتْ مشركة كافرة.
• ألَّا تكون من أهل دار الحرب، وإلا استباح بالعقد من تحرم عليه.
• أن تكون عفيفة ليست بعاهرة، ولا ذات أخدان، وإلا جاءته بأبناء سفاح ونسبتهم إليه بالقانون، وكان ديُّوثًا.
والأَولى أن تكون تلك الزوجة من أهل دار الإسلام، أو من أهل دار الكفر إذا دخلت في الإسلام حديثًا.
3 -
أن يخلو العقد عن كل سبب يُبطله أو يُفسده، من الخلو عن الولي، أو الشهود، أو التصريح بالتأقيت، ونحوه.
فإذا خلا العقد المدني عن ذلك، أو بعضه، فليصحح بطريقة شرعية.
فإن تخلَّف شيء من هذه الشروط فلا مفرَّ من القول بالحرمة، والنهي عن هذا العقد؛ للمفاسد التي ذكرت وسدًّا لذريعة الفساد والإفساد والتلاعب بالعقود والأنكحة الشرعية، فإن تحققت الشروط وغابت آدابٌ ومقاصدُ، فالقول متجه بصحة العقد قضاءً، مع الإثم أو الحرمة ديانةً، فلا يصار إليه إلا اضطرارًا، والضرورات تقدر بقدرها.
الصورة الثالثة: جاء في فتيا المجلس الأوروبي للإفتاء:
"وأما الصورة الثالثة: فالعقد وإن كانت صورته صحيحة، ولكن الزوج آثم بغشه المرأة؛ وذلك لإضماره نية الطلاق من حين العقد، والزواج في الإسلام يعني الديمومة والبقاء والاستقرار للحياة الزوجية، والطلاق طارئ بعد العقد؛ ولهذا السبب حُرِّمَ الزواجُ المؤقت واعتُبِرَ فاسدًا.
كذلك فإن الإيجاب والقبول في الزواج شرطان أساسيان فيه، والمرأة حين قَبِلته زوجًا فإنما كان مقصودها حقيقة الزواج، ولو علمت أنه قَبِلَهَا زوجةً مؤقتةً يُطَلِّقُهَا متى شاء لرفضت ذلك، فإذا كان عازمًا الطلاقَ عند العقد أثَّرَ ذلك في صحة العقد؛ لأن
المرأة بنت قبولَها على غير ما أراد" (1).
وأما ما صدر عن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا فلم تَبْدُ فيه إشارة إلى هذه الصورة، وكأن المجمع لا يرى تفصيلًا في مشروعية هذه الصورة، فيلحقها بغيرها في الحرمة.
وهذه الصورة قد سبق ما يدل على مشروعيتها بشروطها وصحتها قضاءً وديانةً، وغاية ما قد يقال فيها هو الكراهة من باب الديانة لا غير، وليس الكراهة التحريمية كما مال إليها بعض الباحثين (2).
قال مالك: "ليس هذا من الجميل، ولا من أخلاق الناس"(3) وعند الشافعية كراهة ذلك؛ لأنه لو صرَّحَ لبطل النكاح (4) والقول بأن هذا غشٌّ محرم مردود بأنه قد لا يفعل وقد يمسكها بعد قضاء حاجاته، وقد يُتَوَفَّى عنها قبل ذلك، وقد تُتَوَفَّى هي عنه قبل الطلاق، قال ابن رشد الجد:"إذ قد ينكح الرجل المرأة وفي نيته أن يفارقها، ثم يبدو له فلا يفارقها، وينكحها ونيته ألا يفارقها ثم يبدو له فيفارقها"(5).
وقد يَرِدُ على فتوى المجمعين أنها مخالفة لقاعدة النظر إلى المآلات، ونتائج التصرفات، فقد يلجأ الشاب إلى ممارسات أو معاملات أشد فسادًا وأبعد عن المشروعية كما أن له آثارًا سلبية على المرأة أيضًا.
يقول الشيخ عبد الله بن بَيَّه: "هذه الفتوى بالإضافة إلى ضعف مستندها، فإنها مخالفة لقاعدة النظر إلى المآلات، من جهة أن الشاب الذي يُمْنَعُ من هذا النوع الأخير
(1) قرارات وفتاوي المجلس الأوروبي، المجموعتان الأولى والثانية، (ص 57 - 58).
(2)
فقه الأقليات المسلمة، لخالد عبد القادر، دار الإيمان، طرابلس، ط 1، 1419 هـ - 1998 م، (ص 451).
(3)
البيان والتحصيل، لابن رشد، (4/ 309)، المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد الباجي، (5/ 142).
(4)
تحفة المحتاج، للهيتمي، (7/ 312).
(5)
البيان والتحصيل، لابن رشد، (4/ 309).
من الزواج قد يؤول به الأمر إلى ارتكاب المحرمات بدون بردعة (1)، أما المآل الآخر: فهو كسر نفس المرأة، وبخاصة المسلمات الجدد، فينبغي أن ينبه إليه بتوجيه الشاب إلى إدامة الزواج، وحسب الإمكان، وتمتيع المرأة بتقديم تعويض مالي كما هو المشروع بدلًا من تحريم الحلال.
ثم إن الزواج إذا وقع بشروطه فإنه زواج صحيح، حتى ولو نوى عدم الاستمتاع بها، قال الشاطبي في الموافقات:"إن متعاطي السبب إذا أتى به بكمال شروطه، وانتفاء موانعه، ثم قصد لئلَّا يقع مسببه فقد قصد محالًا، وتكلَّف رفع ما ليس له رفعه، ومنع ما لم يجعل له منعه، فمن عقد نكاحًا على ما وُضع له في الشرع، أو بيعًا، أو شيئًا من العقود، ثم قصد ألا يستبيح بذلك العقد ما عقد عليه فقد وقع قصده عبثًا، ووقع المسبب الذي أوقع سببه، وكذلك إذا أوقع طلاقًا، أو عتقًا، قاصدًا به مقتضاه في الشرع، ثم قصد ألَّا يكون مقتضى ذلك، فهو قصد باطل، ومثله في العبادات: إذا صلَّى أو صام أو حجَّ كما أُمِرَ، ثم قصد في نفسه أن ما أَوقع من العبادة لا يصح له، أو لا ينعقد قربةً، وما أشبه ذلك فهو لغو"(2)(3).
وقد يُجاب عن ذلك بأن مفسدة التخوض في هذه الفروج بلا حِلٍّ أو برهان أعظم، وأن كسر نفس المرأة أهون من تضييع دينها، أو إهدار عفتها أو العبث بكرامتها.
لكن الذي ينصح به المسلم في تلك البلاد أن يحفظ صورة الإسلام وأهله بيضاءَ ناصعةً، وألا يكون سببًا في الإساءة إلى سمعة أهل الإسلام ببلاد الأقليات.
وعليه: فلينوِ الدوامَ في هذه الأنكحة، فإن بدا له أمرٌ فَلْيسَرِّحْ بإحسان، والله وحده المستعان.
(1) كذا بالأصل.
(2)
الموافقات، للشاطبي، (1/ 214).
(3)
صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص 132 - 133).