الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن المسلم إذا دخل دارهم بأمان لا يكون خائنًا أبدًا، أما إذا أخذ مالهم برضاهم ولو بصورة العقود الفاسدة المحرمة -كالربا- فلا مانع منه؛ جريًا على أصل إباحتها.
6 -
بالقياس على قسمة الإرث في الجاهلية وإمضائها ولو خالفت حكم الإسلام؛ لحديث: "أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية"(1).
مناقشة أدلة القول الأول:
أولًا: مناقشة أدلة السنة:
1 -
مرسل مكحول: هذا المرسل ضعيف متفق على رَدِّهِ بين أهل العلم بالحديث والفقه معًا؛ قال الشافعي رحمه الله: "وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه"(2).
وقال الزيلعي الحنفي رحمه الله (3): "غريب"(4)، أي: لا أصل له.
وقال النووي رحمه الله: "مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولناه على أن معناه: لا يباح الربا في دار الحرب؛ جمعًا بين الأدلة"(5).
وقال العيني رحمه الله في البناية: "هذا حديث غريب ليس له أصل مسند"(6).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "وخبرهم مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة، وانعقد الاجماع
(1) أخرجه: الإمام مالك في "الموطأ"(1433) من حديث ثور بن زيد الديلي مرسلًا.
(2)
الأم، للشافعي، (9/ 249).
(3)
أبو محمد، جمال الدين، عبد الله بن يوسف بن محمد، الزيلعي، الفقيه الحنفي، فقيه، عالم بالحديث، من مصنفاته: تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري، ونصب الراية لأحاديث الهداية، توفي سنة 762 هـ. الدرر الكامنة، لابن حجر، (2/ 310)، والأعلام، للزركلي، (4/ 147).
(4)
نصب الراية، للزيلعي، (4/ 44).
(5)
المجموع، للنووي، (9/ 392).
(6)
البناية، للعيني، (7/ 385).
على تحريمه بخبر مجهول لم يَرِدْ في صحيح ولا مسندٍ ولا كتابٍ موثوقٍ به" (1).
وعلى فرض ثبوته؛ فإنه يحتمل النهي، كقوله تعالى:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال إذا كان صحيحًا؛ فكيف إذا كان ضعيفًا لا تقوم به الحجة وكان محتملًا؟ وكيف يُقَدَّمُ على الأدلة القطعية، ولا يجمع بينهما؟
قال السبكي: "واعتضد هذا الاحتمال بالعمومات"(2).
2 -
حديث ربا العباس: وأما استشهادهم بعدم رَدِّ النبي صلى الله عليه وسلم لربا العباس إلا يوم فتح مكة رغم أنه كان مسلمًا من قبلُ بمكةَ، وكان تحريم الربا يومَ خيبر، ولم يرد ما كان منه ربا؛ لأن مكة كانت دار حرب إلى أن صارت دار إسلام بفتحها؛ ففيه نظر، بل هو ضعيف؛ وذلك لأمور (3):
أ - لو سُلِّمَ أن العباس كان يتعامل بالربا في مكة؛ لأنها كانت دار حرب، فكيف يُفسَّر استمراره على التعامل به بعد فتح مكة وصيرورتها دارَ إسلام منذ السنة الثامنة من الهجرة وحتى خطبة الوداع في السنة العاشرة؟!
ب - أنه يحتمل أن يكون المراد ما كان له من ربا قبل تحريم الربا، أو قبل إسلام العباس؛ إذ ليس هناك ما يدل على استمراره في التعامل إلى ما بعد إسلامه.
ج - أنها واقعةُ عينٍ لا عمومَ لها؛ ولعل ذلك لأمورٍ خاصة بإقامة العباس بمكة، وهي دارُ كفرٍ يومئذٍ، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّهِ العباسِ رضي الله عنه ما هو أعظم من ذلك
(1) المغني، لابن قدامة، (6/ 99).
(2)
تكملة المجموع، لتقي الدين السبكي، (11/ 229).
(3)
أحكام التعامل بالربا بين المسلمين وغير المسلمين في ظل العلاقات الدولية المعاصرة، د. نزيه حماد، دار الوفاء، جدة، ط 1، 1407 هـ، (ص 28 - 32).
كإظهار الشرك في مكة أمام المشركين.
د - ولو سلم استمرار العباس على التعامل بالربا؛ فقد لا يكون عالمًا بالتحريم؛ لإقامته بمكة بعيدًا عن مهبط الوحي بالمدينة.
هـ - أن يكون الربا الذي كان العباس يتعامل به هو ربا الفضل، وليس ربا النسيئة الذي استفاض تحريمه؛ إذ إن ربا الفضل حُرِّمَ بالسُّنة، ولم يكن تحريمه شائعًا بين الصحابة كلِّهم، بل إن ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة والذي كان من ألصق الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرى تحريمه.
و- أن يكون تحريم الربا لم يكن قد استقرَّ يومئذٍ حتى نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وذلك بعد إسلام ثقيف سنة تِسعٍ من الهجرة، أي: قبيل حجة الوداع، فكان تعامل العباس رضي الله عنه قبل إحكام تحريم الربا، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تحريم الربا كان على سبيل التدرج، وأنَّ آخر آيات تحريمه نزولًا آياتُ سورةِ البقرة، وهي التي نصَّت نصًّا قاطعًا على تحريم كل زيادة على رأس المال، بل وَرَدَ أن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن الكريم، كما خرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (1) وابن ماجه عن عمر رضي الله عنه (2).
ثم إنه لم يُنْقَلْ قطُّ عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم التعاملُ بالربا في بلاد الكفار، ولو فَهِمَ أحدٌ منهم ذلك لَنُقِلَ؛ فدلَّ عدمُ النقل على عدم دلالة هذا الحديث على الجواز.
3 -
وأما استدلالهم بمصارعته صلى الله عليه وسلم لركانة وبمراهنة أبي بكر رضي الله عنه للمشركين على ظهور الروم على فارس، وإقرار النبي رضي الله عنه لذلك؛ فعنه أجوبة:
(1) أخرجه: البخاري، كتاب التفسير، باب:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، حديث، (4544).
(2)
أخرجه: ابن ماجه، كتاب التجارات، باب: التغليظ في الربا، (2276)، والإمام أحمد في "مسنده"، (1/ 36، 49)، وغيرهما. وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه"، (1860).