الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول السادس: تحديد علامة شرعية جديدة
.
وذلك ما يحدده الفلكيون باسم الشفق المدني، وينضبط عندما يكون قرص الشمس واقعًا تحت الأفق بـ 12 درجة، بينما العلامة الشرعية في البلاد المعتدلة عندما يكون قرص الشمس تحت الأفق بـ 18 درجة.
فوقت العشاء يُحَدَّدُ عند الدرجة 12 بعد الغروب.
ووقت الفجر يُحَدَّدُ عند الدرجة 12 قبل الشروق.
وهذا الرأي أَخذ به اتحادُ المنظمات الإسلامية في فرنسا، وهو رأي الفلكي صالح العجيري، وهو ما مال إليه الشيخ فيصل مولوي (1).
ويرتكز هذا الاجتهادُ على تحديد علامة جديدة، فإذا كان الوقت يرتبط بالشفق الذي لا يتأتَّى إلا بعد الغروب، وقد تعذر حصولُهُ، فَيُنْتَقَلُ إلى علامة أخرى تتعلَّقُ بحركة الشمس بعد الغروب، وهو ما يسمى بالشفق المدني الذي يظهر عند الدرجة 12 بدلًا من الدرجة 18.
فإذا فُقِدَتِ العلاماتُ أُعْمِلَ الاجتهادُ في إدراك الوقت. والصلوات من العبادات، والعبادات الأصل فيها التوقيف، أو هي معلَّلَةٌ بالنص، ولا يمنع هذا أن الأصل الشرعي العام هو تعليل الشريعة بمصالح العباد، وقد ذهب الحنفية إلى أن الأصلَ التعليلُ حتى يتعذر.
والعبادات لا تخرج عندهم عن هذا الأصل في أحكامها العامة، وقد مال أبو حنيفة إلى أن نصوص الزكاة معلَّلَةٌ بالمالية الصالحة لإقامة حقِّ الفقير (2).
وإلى شيء من هذا المعنى مال الشافعي أيضًا.
قال الزنجاني (3): "معتَقَدُ الشافعي أن الزكاة مئونة مالية، وجبت للفقراء على
(1) مواقيت الفجر والعشاء في المناطق الفاقدة للعلامات الشرعية، فيصل مولوي، (ص 352).
(2)
نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، للريسوني، (ص 189).
(3)
أبو المناقب، محمود بن أحمد بن محمود، الزنجاني، العلامة شيخ الشافعية، تفقه وبرع في المذهب والأصول والخلاف، له تصانيف كثيرة، منها: تخريج الفروع على الأصول، وتفسير القرآن، توفي سنة 656 هـ. سير أعلام =
الأغنياء بقرابة الإسلام، على سبيل المواساة، ومعنى العبادة تَبَعٌ فيها، وإنما أثبته الشرع ترغيبًا في أدائها" (1).
وفيما يتعلق بالاجتهاد في وضع علامة جديدة راعى القائلون بهذا تحقيقَ مقاصدِ النومِ والراحة بعد العشاء، وانسجامَ الأمرِ مع مصالح الناس في معاشهم، ورفعَ الحرجِ والعنت عنهم، وإرادةَ التخفيف أو التيسير عليهم.
وعليه: فقد ذهبوا إلى أن الناس اعتادوا في البلاد التي لا يغيب فيها الشفق الأحمر؛ لعدم وصول الشمس تحت الأفق إلى درجة 18 - أن يقيسوا حركتها بالتوقف عند الدرجة 12، فهو ما يُعْرَفُ بالشفق المدني، وهو الذي يمكن اعتبارُهُ العلامةَ الفلكية التالية بعد غياب الشفق الأحمر، ويكون اعتماده لدخول وقت العشاء حين تُفْقَدُ العلامةُ السابقة أمرًا معتبرًا من الناحية الشرعية.
كما يذهب القائلون بهذا الرأي إلى اعتماده طوالَ السنة في الأوقات التي تُفْقَدُ فيها العلاماتُ وفي غيرها، ولا مانعَ لديهم من تعطيل العمل بالنص؛ منعًا لضرر أكبر، كما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، رفعًا للحرج عن أمته.
وقد أَوقفَ عمرُ سهمَ المؤلفة قلوبهم لَمَّا عزَّ المسلمون، وعَطَّل حدَّ السرقة عامَ الرمادة، ومَنَعَ قسمةَ الأراضي المفتتحةَ عنوةً بين المقاتلين بالعراق والشام.
وعليه: فقد رأوا أن التحديد بهذه العلامة الجديدة من شأنه أن يُنَظِّمَ أوقات المسلمين على مدار السنة، وهو رافع للحرج عنهم (2).
= النبلاء، للذهبي، (23/ 345)، وطبقات الشافعية الكبرى، (8/ 368).
(1)
تخريج الفروع على الأصول، للزنجاني، (ص 110).
(2)
مواقيت الفجر والعشاء في المناطق الفاقدة للعلامة، لفيصل مولوي، (ص 376 - 383).