الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالخِيَارِ فلم يَنْقَضِ الخِيَارُ حتى رُدَّتْ، اسْتَقْبَلَ البَائِعُ بها حَوْلًا، سَوَاءٌ كان الخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي؛ لأنَّه تَجْدِيدُ مِلْكٍ. وإن حَالَ الحَوْلُ على النِّصَابِ الذي اشْتَرَاهُ وَجَبَتْ فيه الزكاةُ، فإن وَجَدَ به عَيْبًا قبلَ إخْرَاجِ زَكَاتِه فله الرَّدُّ، سَوَاءٌ قُلَنا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ، أو بِالذِّمَّةِ؛ لما بَيَّنَّا من أنَّ الزكاةَ لا تَجِبُ في العَيْنِ بِمَعْنَى اسْتِحْقاقِ الفُقَرَاءِ جُزْءًا منه، بل بِمَعْنَى تَعَلُّقِ حَقٍّ به، كتَعَلُّقِ الأرْشِ بالجانِي، فَيَرُدُّ النِّصابَ، وعليه إخْرَاجُ زَكَاتِه من مَالٍ آخَرَ. فإن أخْرَجَ الزكاةَ منه، ثم أرادَ رَدَّهُ، انْبَنَى على المَعِيبِ إذا حَدَثَ به عَيْبٌ آخَرُ عند المُشْتَرِى، هل له رَدُّهُ؟ على رِوَايَتَيْنِ، وانْبَنَى (7) أيضا على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فإن قُلْنَا: يجوزُ. جَازَ الرَّدُّ هاهُنا، وإلَّا لم يَجُزْ. ومتى رَدَّهُ فعليه عِوَضُ الشَّاةِ المُخْرَجَةِ، تُحْسَبُ عليه بالحِصَّةِ من الثَّمَنِ، والقَوْلُ قَوْلُه في قِيمَتِها مع يَمينِه، إذا لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ؛ لأنَّها تَلِفَتْ في يَدِهِ، فهو أعْرَفُ بِقِيمَتِها، ولأنَّ القِيمَةَ مُدَّعاةٌ عليه، فهو غَارِمٌ، والقَوْلُ في الأُصُولِ قَوْلُ الغارِمِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ القَوْلَ قَوْلُ البائِعِ؛ لأنَّه يَغْرَمُ الثَّمَنَ، فيَرُدُّهُ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ الغارِمَ لِثَمَنِ الشَّاةِ المُدَّعاةِ هو المُشْتَرِى. فإن أخْرَجَ الزَّكاةَ من غيرِ النِّصَابِ، فله الرَّدُّ وَجْهًا وَاحِدًا.
فصل:
فإن كان البَيْعُ فاسِدًا، لم يَنْقَطِعْ حَوْلُ الزكاةِ في النِّصابِ، وبَنَى على حَوْلِه الأوَّلِ؛ لأنَّ المِلْكَ ما انْتَقَلَ فيه إلَّا أن يَتَعَذَّرَ رَدُّهُ، فيَصيرَ كالمَغْصُوبِ، على ما مَضَى.
فصل: ويجوزُ التَّصَرُّفُ في النِّصابِ الذي وَجَبَتِ الزكاةُ فيه، بالبَيْعِ والهِبَةِ وأنواعِ التَّصَرُّفَاتِ، وليس لِلسَّاعِي فَسْخُ البَيْعِ. وقال أبو حنيفةَ: تَصِحُّ، إلَّا أَنَّه إذا امْتَنَعَ من أداءِ الزكاةِ نقَض البَيْعَ في قَدْرِهَا. وقال الشَّافِعِيُّ: في صِحَّةِ البَيْعِ قَوْلَانِ، أحَدُهما، لا يَصِحُّ؛ لأنَّنا إن قُلْنا إن الزكاةَ تَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ، فقد بَاعَ ما لا يَمْلِكُه، وإن
(7) في الأصل، ب:"وينبنى".
قُلْنا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَقَدْرُ الزكاةِ مُرْتَهَنٌ بها، وَبيْعُ الرَّهْنِ غيرُ جَائِزٍ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: نَهَى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُها. مُتَّفَقٌ عليه (8). ومَفْهُومُه صَحَّةُ بَيْعِها إذا بَدَا صَلاحُها، وهو عامٌّ فيما وَجَبَتْ فيه الزكاةُ وغيرُه. ونَهَى عن بَيْعِ الحَبِّ حتى يَشْتَدَّ، وَبيْعِ العِنَبِ حتى يَسْوَدَّ (9). وهما ممَّا تَجِبُ الزكاةُ فيه. ولأنَّ الزكاةَ وَجَبَتْ في الذِّمَّةِ، والمالُ خالٍ عنها، فصَحَّ بَيْعُه، كما لو باعَ مَالَه، وعليه دَيْنُ آدَمِيٍّ، أو زَكَاةُ فِطْرٍ. وإن تَعَلَّقَتْ بالعَيْنِ، فهو تَعَلُّقٌ لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ في جُزْءٍ من النِّصَابِ، فلم يَمْنَعْ بَيْعَ جَمِيعِه، كأرْشِ الجِنَايَةِ. وقَوْلُهم: باعَ ما لا يَمْلِكهُ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ المِلْكَ لم يَثْبُتْ لِلْفُقَراءِ في النِّصابِ، بِدَلِيلِ أنَّ (10) له أداءَ الزكاةِ من غيرِه، ولا يَتَمَكَّنُ الفُقَرَاءُ من إلْزَامِه أدَاءَ الزكاةِ منه، وليس بِرَهْنٍ، فإنَّ
(8) أخرجه البخاري، في: باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه. . .، من كتاب الزكاة، وفي: باب بيع المزابنة، وباب بيع الثمر على رءوس النخل بالذهب والفضة، وباب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وباب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها، وباب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع، وفي: باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل، من كتاب المساقاة. صحيح البخاري 2/ 157، 3/ 98، 99، 101، 151. ومسلم، في: باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وباب تحريم بيع الرطب بأكثر إلا في العرايا، وباب النهي عن المحاقلة والمزابنة. . . من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1165 - 1168، 1174. كما أخرجه أبو داود، في: باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 227. والنسائي، في: باب بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وباب العرايا بالرطب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 231، 235، 236. وابن ماجه، في: باب النهى عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 746، 747. والدارمي، في: باب في النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 252. والإمام مالك، في: باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 618. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 7، 46، 56، 59، 62، 63، 75، 79، 80، 123، 363، 3/ 372، 381، 5/ 185، 190، 192، 6/ 70، 106.
(9)
أخرجه أبو داود، في: باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 227. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 236. وابن ماجه، في: باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 747. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 221، 250.
(10)
في الأصل، أ:"أنه".