الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العِلْمِ على هذا، ولأنَّ الجَوَامِيسَ من أنْوَاعِ البَقَرِ، كما أن البَخَاتَى من أَنْوَاعِ الإِبِلِ، فإذا اتَّفَقَ فى المالِ جَوَامِيسُ وصِنْفٌ آخَرُ من البَقَرِ، أو بَخَاتَى وعِرَابٌ، أو مَعْزٌ وضَأْنٌ، كَمَلَ نِصَابُ أحَدِهما بالآخَر، وأُخِذَ الفَرْضُ من أَحَدِهما على قَدْرِ المَالَيْنِ. على ما سَنَذْكُرُه، إن شاءَ اللهُ تعالى.
فصل:
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فى بَقَرِ الوَحْشِ، فَرُوِىَ أنَّ فيها الزكاةَ. اخْتَارَهُ أبو بكرٍ؛ لأنَّ اسْمَ البَقَرِ يَشْمَلُها، فيَدْخُلُ فى مُطْلَقِ الخَبَرِ. وعنه لا زكاةَ فيها. وهى أصَحُّ، وهذا قولُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّ اسْمَ البَقَرِ عند الإطْلَاقِ لا يَنْصَرِفُ إليها، ولا يُفْهَمُ منه، إذْ كانت لا تُسَمَّى بَقَرًا بدون الإِضَافَةِ، فيقال: بَقَرُ الوَحْشِ. ولأنَّ وُجُودَ نِصَابٍ منها مَوْصُوفًا بصِفَةِ السَّوْمِ حَوْلًا لا وُجُودَ له، ولأنَّها حَيَوَانٌ لا يُجْزِئُ نَوْعُهُ فى الأُضْحِيَةِ والهَدْىِ، فلا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ، كالظِّبَاءِ، ولأنَّها ليستْ من بَهِيمَةِ الأنْعامِ، فلا تَجِبُ فيها الزكاةُ، كسائِرِ الوُحُوشِ، وسِرُّ ذلك أن الزكاةَ إنما وَجَبَتْ فى بَهِيمَةِ الأنْعامِ دُونَ غَيْرِها، لِكَثْرَةِ النَّمَاءِ فيها من دَرِّهَا ونَسْلِها، وكَثْرَةِ الانْتِفَاعِ بها، لِكَثْرَتِها وخفَّةِ مَؤُونَتِها، وهذا المَعْنَى مُخْتَصٌّ (1) بها، فاخْتَصَّتِ الزكاةُ بها دُونَ غَيْرِها، ولا تَجِبُ الزَّكَاةُ فى الظِّبَاءِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اسْم الغَنَمِ لها.
فصل: قال أصْحَابُنا: تَجِبُ الزكاةُ فى المُتَوَلِّدِ بين الوَحْشِىِّ والأهْلِىِّ، سَوَاءٌ كانتِ الوَحْشِيَّةُ الفُحُولَ أو الأُمَّهَاتِ. وقال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ: إن كانتِ الأُمَّهَاتُ أهْلِيَّةً وَجَبَتِ الزكاةُ فيها، وإلَّا فلا؛ لأن وَلَدَ البَهِيمَةِ يَتْبَعُ أُمَّهُ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا زكاةَ فيها؛ لأنَّها مُتَوَلّدَةٌ من وَحْشِىٍّ، أَشْبَهَ المُتَوَلّدَ من وَحْشِيَّيْنِ. واحْتَجَّ أصْحَابُنا بأنَّها مُتَوَلّدَةٌ بين ما تَجِبُ فيه الزكاةُ، وما لا تَجِبُ فيه، فوَجَبَتْ فيها الزكاةُ، كالمُتَوَلّدَةِ بين سَائِمَةٍ ومَعْلُوفَةٍ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ غَنَمَ مَكَّة مُتَوَلّدَةٌ
(1) في م: "يختص".
بين (2) الظِّبَاءِ والغَنَمِ، وفيها الزكاةُ بالاتِّفَاقِ، فعلى هذا القَوْلِ تُضَمُّ إلى جِنْسِها من الأَهْلِىِّ فى وُجُوبِ الزكاةِ، وتُكَمّلُ بها نِصَابُه، وتكونُ كأحَدِ أنْوَاعِه، والقَوْلُ بِانْتِفَاءِ الزكاةِ فيها أصَحُّ؛ لأنَّ الأصْلَ انْتِفَاءُ الوُجُوبِ، وإنَّما يثْبُتُ (3) بِنَصٍّ أو إجْماعٍ أو قِياسٍ، ولا نَصَّ فى هذه ولا إجْماعَ، إنَّما هو فى بَهِيمَةِ الأنْعامِ من الأزْوَاجِ الثَّمانِيَةِ، وليستْ هذه دَاخِلَةً في (4) اسْمهِا (5)، ولا حُكْمِها، ولا حَقِيقَتِها، ولا مَعْنَاها؛ فإنَّ المُتَوَلِّدَ بين شَيْئَيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ وجنْسِه وحُكْمِه عنهما، كالبَغْلِ المُتَوَلِّدِ بين الفَرَسِ والحِمَارِ، والسِّمْعِ (6) المُتَوَلِّدِ بين الذِّئْبِ والضَّبُعِ، والعِسْبار (7) المُتَوَلِّدِ بين الضِّبعَانِ والذِّئبة، فكَذَلِكَ المُتَوَلِّدُ بين [الظِّبَاءِ والمَعْزِ ليس بِمَعْزٍ](8) ولا ظَبْى، ولا يَتَنَاوَلُه نُصُوصُ الشَّارِعِ، ولا يُمْكِنُ قِياسُه عليها، لِتَبَاعُدِ ما بَيْنَهما، واخْتِلَافِ حُكْمِهِما، فى كَوْنِه لا يُجْزِئ فى هَدْىٍ ولا أُضْحِيَةٍ ولا دِيَةٍ، ولو أسْلَمَ (9) فى الغَنَمِ لم يَتَنَاوَلْهُ العَقْدُ، ولو وَكَّلَ وَكِيلًا فى شِرَاءِ شاةٍ، لم يَدْخُلْ فى الوَكَالَةِ، ولا يَحْصُلُ منه ما يَحْصُلُ من الشِّياهِ (10)؛ من الدَّرِّ، وكَثْرَةِ النَّسْلِ، بل الظَّاهِرُ أنَّه لا نَسْلَ (11) له أصْلًا، فإن المُتَوَلّدَ بين شَيْئَيْن (12) لا نَسْلَ له كالبِغالِ، وما لا نَسْلَ له لا دَرَّ فيه، فامْتَنَعَ القِياسُ، ولم يَدْخُلْ فى نَصٍّ ولا
(2) فى ا، م:"من".
(3)
فى م: "ثبت".
(4)
فى ا، ب:"فيها".
(5)
فى م: "أجناسها".
(6)
فى م: "والسبع" تحريف.
(7)
فى م: "والعسار" خطأ.
(8)
فى الأصل: "الظبي والماعز ليس بماعز".
(9)
كذا فى النسخ.
(10)
فى م: "الشاة".
(11)
فى م: "ينسل".
(12)
فى م: "ثنتين".
إجْماعٍ، فإيجابُ الزكاةِ فيها تَحَكُّمٌ بالرَّأْىِ. وإن (13) قِيلَ: تَجِبُ الزكاةُ احْتِيَاطًا وتَغْلِيبًا لِلإيجَابِ، كما أَثْبَتْنا التَّحْرِيمَ فيها فى الحَرَمِ والإحْرَامِ احْتِيَاطًا. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الوَاجِباتِ لا تَثْبُتُ احْتِيَاطًا بالشَّكِّ، ولهذا لا تَجِبُ الطَّهَارَةُ على مَن تَيَقَّنَها، وشَكَّ فى الحَدَثِ، ولا غيرِها من الوَاجِبَاتِ. وأمَّا السَّوْمُ والعَلَفُ فالاعْتِبَارُ فيه بما تَجِبُ فيه الزكاةُ، لا بِأصْلِه الذى تَوَلَّدَ منه، بِدَلِيلِ أَنَّه لو عَلَفَ المُتَوَلِّدَ مِن السَّائِمَةِ لم تَجِبْ زَكَاتُه، ولو أسَامَ أولادَ المَعْلُوفَةِ، لوَجَبَتْ زكاتُها. وقولُ مَن زَعَمَ أنَّ غَنَمَ مَكَّةَ مُتَوَلّدَةٌ من الغَنَمِ والظِّبَاءِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّها لو كانتْ كذلك لَحُرِّمَتْ فى الحَرَمِ والإحْرامِ، وَوَجَبَ فيها (14) الجَزَاءُ، كسائِرِ المُتَوَلِّدِ بين الوَحْشِىِّ والأهْلِىِّ، ولأنَّها لو كانتْ كذلك (15) مُتَوَلّدَةً من جِنْسَيْنِ، لما كان لها نَسْلٌ كالسَّمْعِ (16) والبِغالِ.
(13) فى م: "وإذا".
(14)
فى الأصل، ب:"فيه".
(15)
سقط من: الأصل، ب.
(16)
فى م: "كالسبع". خطأ.