الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-صلى الله عليه وسلم رِطْلٌ وثُلُثٌ قَمْحًا من أَوْسَطِ القَمْحِ، فمتى بَلَغَ القَمْحُ ألْفًا وسِتَّمائةِ رِطْلٍ، ففيه الزكاةُ. وهذا يَدُلُّ على أنَّهُم قَدَّرُوا الصَّاعَ بالثَّقِيلِ، فأمَّا الخَفِيفُ فَتَجِبُ الزكاةُ فيه، إذا قَارَبَ هذا وإن لم يَبْلُغْهُ. ومتى شَكَّ في وُجُوبِ الزكاةِ فيه، ولم يُوْجَدْ مِكْيَالٌ يُقَدِّرُ به، فالاحْتِيَاطُ الإخْرَاجُ، وإن لم يُخْرِجْ فلا حَرَجَ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزكاةِ، فلا تَجِبُ بالشَّكِّ.
فصل:
قال القاضي: وهذا النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ تَحْدِيدًا، فمتى نقَص شيئًا، لم تَجِب الزكاةُ، لِقَوْلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَة أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"(9). والنَّاقِصُ عنها لم يَبْلُغْها، إلَّا أن يكونَ نَقْصًا يَسِيرًا يَدْخُلُ في المَكَايِيلِ، كالأُوقِيَّةِ ونَحْوِهَا، فلا عِبْرَةَ به؛ لأنَّ مِثْلَ ذلك يجوزُ أن يَدْخُلَ في المَكايِيلِ، فلا يَنْضَبِطُ، فهو كنَقْصِ الحَوْلِ ساعَةً أو ساعَتَيْنِ.
فصل: ولا وَقَصَ (10) في نِصَابِ الحُبُوبِ والثِّمَارِ، بل مهما زادَ على النِّصابِ أخْرَجَ منه بالحِسَابِ، فيُخْرِجُ عُشْرَ جَمِيعِ ما عِنْدَهُ. فإنَّه لا ضَرَرَ في تَبْعِيضِه، بِخِلافِ المَاشِيَةِ، فإنَّ فيها ضَرَرًا، على ما تَقَدَّمَ.
فصل: وإذا وَجَبَ عليه عُشْرٌ مَرَّةً، لم يَجِبْ عليه عُشْرٌ آخَرُ، وإن حَالَ عندَه أحْوَالًا؛ لأنَّ هذه الأمْوَالَ غَيْرُ مُرْصَدَةٍ لِلنَّمَاءِ في المُسْتَقْبَلِ، بل هي إلى النَّقْصِ أقْرَبُ، والزكاةُ إنَّما تَجِبُ في الأشْياءِ النَّامِيَةِ، لِيُخْرِجَ من النَّمَاءِ، فيكُونُ أسْهَلَ. فإن اشْتَرَى شَيْئًا من ذلك لِلتِّجَارَةِ صارَ عَرْضًا، تَجِبُ فيه زَكَاةُ التِّجَارَةِ إذا حَالَ عليه الحَوْلُ. واللَّه أعلمُ.
فصل: وَوَقْتُ وُجُوبِ الزكاةِ في الحَبِّ إذا اشْتَدَّ، وفي الثَّمَرَةِ إذا بَدَا صَلاحُها. وقال ابنُ أبي موسى: تَجِبُ زكاةُ الحَبِّ يَوْمَ حَصَادِهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ
(9) تقدم تخريجه في صفحة 12.
(10)
الوقص، بفتحتين وقد تسكن القاف: ما بين الفريضتين من نصب الزكاة.
تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (11). وفائِدَةُ الخِلَافِ أنَّه لو تَصَرَّفَ في الثَّمَرَةِ أو الحَبِّ قَبْلَ الوُجُوبِ، لا شىءَ عليه؛ لأنَّه تَصَرَّفَ فيه قبلَ الوُجُوبِ، فأشْبَهَ ما لو أكَلَ السَّائِمَةَ أو بَاعَها قبلَ الحَوْلِ، وإن تَصَرَّفَ فيها بعدَ الوُجُوبِ لم تَسْقُط الزكاةُ عنه، كما لو فَعَلَ ذلك في السَّائِمَةِ، ولا يَسْتَقِرُّ الوُجُوبُ على كِلَا القَوْلَيْنِ حتى تَصِيرَ الثَّمَرَةُ في الجَرِينِ (12)، والزَّرْعُ في البَيْدَرِ، ولو تَلِفَ قبلَ ذلك بغيرِ إتْلَافِه أو تَفْرِيطٍ منه فيه، فلا زَكَاةَ عليه. قال أحمدُ: إذا خُرِصَ وتُرِكَ في رُءُوسِ النَّخْلِ، فعليهم حِفْظُهُ، فإن أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَذَهَبَتِ الثَّمَرَةُ، سَقَطَ عنهم الخَرْصُ، ولم يُؤْخَذُوا به. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ، على أنَّ الخَارِصَ إذا خَرَصَ الثَّمَرَةَ (13)، ثم أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فلا شىءَ عليه إذا كان قبلَ الجَذَاذِ، ولأنَّه قبلَ الجَذَاذِ في حُكْمِ ما لا تَثْبُتُ اليَدُ عليه، بِدَلِيلِ أنَّه لو اشْتَرَى ثَمَرَةً فَتَلِفَتْ بجَائِحَةٍ، رَجَعَ بها على البَائِعِ، وإن تَلِفَ بعضُ الثَّمَرَةِ، فقال القاضي: إنْ كان البَاقِي نِصَابًا ففيه الزكاةُ، وإلَّا فَلَا. وهذا القولُ يُوَافِقُ قَوْلَ مَن قال: لا تَجِبُ الزكاةُ فيه إلَّا يَوْمَ حَصَادِهِ؛ لأنَّ وُجُوبَ النِّصابِ شَرْطٌ في الوُجُوبِ، فمتى لم يُوجَدْ وَقْتَ الوُجُوبِ لم يَجِبْ. وأمَّا مَن قال: إنَّ الوُجُوبَ يَثْبُتُ (14) إذا بَدَا الصَّلَاحُ واشْتَدَّ الحَبُّ، فقِياسُ قولِه: إن تَلِفَ البَعْضُ. إن كان قبلَ الوُجُوبِ، فهو كما قال القاضي، وإن كان بعدَه، وَجَبَ في البَاقِي بِقَدْرِهِ، سَوَاءٌ كان نِصابًا أو لم يَكُن نِصَابًا؛ لأنَّ الْمُسْقِطَ اخْتَصَّ بالبَعْضِ، فاخْتَصَّ السُّقُوطُ به، كما لو تَلِفَ بعضُ نِصابِ السَّائِمَةِ
(11) سورة الأنعام 141.
(12)
في أ، ب، م:"الجريب".
(13)
في الأصل: "الثمر".
(14)
في أ، م:"ثبت".