الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه مالٌ دَفَعَهُ عمَّا يَسْتَحِقُّهُ القَابِضُ فى الثَّانِى؛ فإذا طَرَأ ما يَمْنَعُ الاسْتِحْقاقَ، وَجَبَ رَدُّهُ، كالأُجْرَةِ إذا انْهَدَمَتِ الدَّارُ قبلَ السُّكْنَى، أمَّا إذا لم يُعْلِمْهُ فَيَحْتَمِلُ أن يكونَ تَطوُّعًا، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ هِبَةً، فلم يُقْبَلْ قَوْلُه فى الرُّجُوعِ، فعلَى قَوْلِ ابنِ حامِدٍ، إن كانتِ العَيْنُ بَاقِيَةً لم تَتَغَيَّر، أخَذَهَا، وإن زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، أخَذَها بِزِيَادَتِها؛ لأنَّها تَتْبَعُ (7) فى الفُسُوخِ، وإن كانت مُنْ
فَصِلَ
ةً، أخَذَها دُونَ زِيَادَتِها؛ لأنَّها حَدَثَتْ فى مِلْكِ الفَقِيرِ. وإن كانت نَاقِصَةً، رَجَعَ على الفَقِيرِ بالنَّقْصِ؛ لأنَّ الفَقِيرَ قد مَلَكَها بالقَبْضِ (8)؛ فكان نَقْصُها عليه، كالمَبِيعِ إذا نَقَصَ فى يَدِ المُشْتَرِى، ثم عَلِمَ عَيْبَهُ. وإن كانت تَالِفَةً أخَذَ قِيمَتَها يَوْمَ القَبْضِ؛ لأنَّ ما زَادَ بعدَ ذلك أو نَقَصَ فإنما هو مِلْكُ الفَقِيرِ، فلم يَضْمَنْه، كالصَّدَاقِ يَتْلَفُ فى يَدِ المَرْأةِ. القِسْمُ الرَّابِعُ، أن يَتَغَيَّر حَالُهما جميعا، فَحُكْمُه حُكْمُ القِسْمِ الذى قبلَه سَوَاءٌ.
فصل: إذا قال رَبُّ المَالِ: قد أعْلَمْتُه أنَّها زكاةٌ مُعَجَّلَةٌ، فَلِىَ الرُّجُوعُ. فَأَنْكَرَ الآخِذُ. فالقَوْلُ قَوْلُ الآخِذِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، والأصْلُ عَدَمُ الإعْلامِ، وعليه اليَمِينُ. وإن مَاتَ الآخِذُ، واخْتَلَفَ المُخْرِجُ ووَارِثُ الآخِذِ، فالقَوْلُ قَوْلُ الوَارِثِ، ويَحْلِفُ أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّ مُوَرِّثَه (9) أعْلَمَ بذلك. فأمَّا مَن قال بِعَدَمِ الاسْتِرْجاعِ، فلا يَمِينٌ ولا غيْرُها.
فصل: إذا تَسَلَّفَ الإمامُ الزَّكَاةَ، فهَلكَتْ فى يَدِهِ، فلا ضَمانَ عليه، وكانت من ضَمانِ الفُقَرَاءِ. ولا فَرْقَ بينَ أنْ يَسْأله ذلك رَبُّ المالِ أو الفُقَرَاءُ أو لم يَسْألْهُ أحَدٌ؛ لأنَّ يَدَهُ كيَدِ الفُقَرَاءِ، وقال الشَّافِعِىُّ: إن تَسَلَّفَها مِن غيرِ سُؤالٍ ضَمِنَها؛
(7) فى أ، م:"تمنع".
(8)
فى أ، م:"بالنقص".
(9)
فى ب: "موروثه".
لأنَّ الفُقَرَاءَ رُشُدٌ، لا يُوَلَّى عليهِم، فإذا قَبَضَ بغيرِ إذْنِهم ضَمِن، كالأبِ إذا قَبَضَ لابْنِه الكَبِيرِ. وإن كان بِسُؤالِهم كان من ضَمَانِهم؛ لأنَّه وَكِيلُهم. فإنْ (10) كان بِسُؤالِ أرْبابِ الأمْوَالِ، لم يُجْزِئْهم الدَّفْعُ، وكان من ضَمَانِهم؛ لأنَّه وَكِيلُهم. وإن كان بِسُؤالِهما (11) ففيه وَجْهَانِ؛ أَصَحُّهما، أنَّه من ضَمانِ الفُقَرَاءِ. ولَنا، أنَّ لِلْإمامِ وِلَايَةً على الفُقَرَاءِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ قَبْضِ الصَّدَقَةِ لهم بغيرِ إذْنِهِمْ سَلَفًا وغيرِه، فإذا تَلِفَتْ فى يَدِهِ من غيرِ تَفرِيطٍ، لم يَضْمَنْ، كَوَلِىِّ اليَتِيمِ إذا قَبَضَ له. وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بما إذا قَبَضَ الصَّدَقَةَ بعدَ وُجُوبِها، وفَارَقَ الأبَ فى حَقِّ وَلَدِهِ الكَبِيرِ؛ فإنَّه لا يجوزُ له القَبْضُ له؛ لِعَدَمِ وِلَايَتِه عليه، ولهذا يَضْمَنُ ما قَبَضَهُ له من الحَقِّ بعدَ وُجُوبِهِ.
422 -
مسألة؛ قال: (ولَا يُجْزِئ (1) إخْرَاجُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ).
[إلَّا أنْ يَأْخُذَهَا الْإمَامُ منه قَهْرًا](2). مذهبُ عَامَّةِ الفُقَهاءِ أنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فى أدَاءِ الزكاةِ، إلَّا ما حُكِىَ عن الأوْزَاعِىِّ أنَّه قال: لا تَجِبُ لها النِّيَّةُ؛ لأنَّها دَيْنٌ، فلا تَجِبُ لها النِّيَّةُ، كسائِرِ الدُّيُونِ، ولهذا يُخْرِجُها وَلِىُّ اليَتِيمِ، ويأْخُذُها السُّلْطَانُ من المُمْتَنِعِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"(3). وأدَاؤُها عَمَلٌ، ولأنَّها عِبَادَةٌ تَتَنَوَّعُ إلى فَرْضٍ ونَفْلٍ، فافْتَقَرَتْ إلى النِّيَّةِ كالصلاةِ، وتُفَارِقُ قَضَاءَ الدَّيْنِ؛ فإنَّه ليس بِعِبَادَةٍ، ولهذا يَسْقُطُ بإسْقَاطِ مُسْتَحِقِّه، ووَلِىُّ الصَّبِىِّ والسُّلْطَانُ يَنُوبانِ عندَ الحاجَةِ. فإذا ثَبَتَ
(10) فى م: "فإذا".
(11)
فى الأصل، م:"بسؤالهم".
(1)
فى أ، م:"يجوز".
(2)
استعمل ابن قدامة نص الخرقى الذى يأتى فى المسألة 423.
(3)
تقدم تخريجه فى 1/ 156.