الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّكَاةِ وتَمَامِ شَرْطِه، فلا يَمْنَعُ الوُجُوبَ، لِكَوْنِ المَحلِّ مُتَّسِعًا لهما جميعا. وإن كان المَنْذُورُ أقَلَّ من قَدْرِ الزكاةِ، وَجَبَ قَدْرُ الزكاةِ، ودَخَلَ النَّذْرُ فيه، فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفى الآخَر يَجِبُ إخْرَاجُهما جميعا.
فصل:
إذا قُلْنَا: لا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الزكاةِ فى الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ. فحَجَرَ الحاكِمُ عليه بعد وُجُوبِ الزكاةِ، لم يَمْلِكْ إخْرَاجَها؛ لأنَّه قد انْقَطَعَ تَصَرُّفُه فى مالِهِ. وإنْ أقَرَّ بها بعد الحَجْرِ، لم يُقْبَلْ إقْرَارُه، وكانت عليه فى ذِمَّتِه كدَيْنِ الآدَمِىِّ. ويَحْتَمِلُ أن تَسْقُطَ إذا حُجِرَ عليه قبلَ إمْكانِ أدَائِها، كما لو تَلِفَ مالُهُ. فإن أقَرَّ الغُرَمَاءُ بِوُجُوبِ الزكاةِ عليه، أو ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أو كان قد أقَرَّ بها قبلَ الحَجْرِ عليه، وَجَبَ إخْرَاجُها من المالِ، فإن لم يُخْرِجُوها فعليهم إثْمُها.
فصل: وإذا جَنَى العَبْدُ المُعَدُّ لِلتِّجارَةِ جِنَايَةً تَعَلَّقَ أرْشُها بِرَقَبَتِه، مَنَعَ وُجُوبَ الزكاةِ فيه، إنْ كان يَنْقُصُ النِّصابَ؛ لأنَّه دَيْنٌ. وإن لم يَنْقُص النِّصَابَ، مَنَعَ الزَّكَاةَ فى قَدْرِ ما يُقابِلُ الأرْشَ.
461 -
مسألة؛ قال: (وَإذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِىءٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ. فَيُؤَدِّىَ (1) لِمَا مَضَى)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الدَّيْنَ على ضَرْبَيْنِ؛ أحدُهما، دَيْنٌ على مُعْتَرِفٍ به باذِلٍ له، فعلى صَاحِبِه زَكاتُه، إلَّا أَنَّه لا يَلْزَمُه إخْرَاجُها حتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّىَ لما مَضَى، رُوِىَ ذلك عن عَلِيٍّ رَضِىَ اللهُ عنه. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو ثَوْرٍ (2)، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال عثمانُ، وابْنُ عمرَ، وجابِرٌ، رَضِىَ اللهُ عنهم، وطَاوُسٌ، والنَّخَعِىُّ، وجابِرُ بنُ زيدٍ، والحسنُ، ومَيْمُونُ بنُ مِهْرَانَ، والزُّهْرِىُّ، وقَتَادَةُ، وحَمَّادُ بنُ أبى سُليمانَ،
(1) فى م: "ويؤدى".
(2)
سقط من: الأصل.
والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ؛ عليه إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فى الحالِ، وإن لم يَقْبِضْهُ؛ لأنَّه قادِرٌ على أَخْذِهِ والتَّصَرُّفِ فيه، فلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكاتِه، كالوَدِيعَةِ. وقال عِكْرِمَةُ: ليس فى الدَّيْنِ زَكَاةٌ. وَرُوِىَ ذلك عن عائشةَ، وابنِ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنهم؛ لأنَّه غيرُ نَامٍ، فلم تَجِبْ زَكَاتُه، كعُرُوضِ (3) القُنْيَةِ. ورُوِىَ عن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، وعَطاءِ بن أبي رباحٍ، وعَطاءٍ الخُرَاسَانِىّ، وأبى الزِّنَادِ: يُزَكِّيه إذا قَبَضَهُ لِسَنَةٍ واحِدَةٍ. ولَنا، أنَّه دَيْنٌ ثابِتٌ فى الذِّمَّةِ، فلم يَلْزَمْهُ الإِخْرَاجُ قبلَ قَبْضِه، كما لو كان على مُعْسِرٍ، ولأنَّ الزكاة تَجِبُ على طَرِيقِ (4) المُواسَاةِ، وليس من المُواسَاةِ أنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مالٍ لا يَنْتَفِعُ به. وأمَّا الوَدِيعَةُ، فهى بِمَنْزِلَةِ ما فى يَدِهِ؛ لأنَّ المُسْتَوْدَعَ نَائِبٌ عنه فى حِفْظِه، ويَدُه كيدِهِ، وإنَّما يُزَكِّيه لما مَضَى؛ لأنَّه مَمْلُوكٌ له يَقْدِرُ على الانْتِفَاعِ به، فلَزِمَتْهُ زَكاتُه، كسائِرِ أمْوَالِهِ. الضَّرْبُ الثانى، أن يكونَ على مُعْسِرٍ، أو جَاحِدٍ، أو مُمَاطِلٍ له (5). فهذا هل تَجِبُ فيه الزكاةُ؟ على رِوايَتَيْنِ؛ إحْدَاهما، لا تَجِبُ، وهو قولُ قَتَادَةَ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وأهْلِ العِرَاقِ؛ لأنَّه غيرُ مَقْدُورٍ على الانْتِفَاعِ به، أشْبَه مَالَ المُكاتَبِ. والرِّوَايةُ الثانيةُ، يُزَكِّيه إذا قَبَضَه لما مَضَى. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ وأبى عُبَيْدٍ؛ لما رُوِىَ عن عَلِىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، فى الدَّيْنِ المَظْنُونِ، قال: إنْ كان صَادِقًا، فَليُزَكِّهِ إذا قَبَضَه لما مَضَى. ورُوِىَ نحوُهُ عن ابنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُما أبو عُبَيْدٍ (6). ولأنَّه مَمْلُوكٌ يجوزُ التَّصَرُّفُ فيه، فوَجَبَتْ زَكاتُه لما مَضَى، كالدَّيْنِ على المَلِىءِ. وللشَّافِعِىِّ قَوْلَانِ كالرِّوَايَتَيْنِ، وعن عمرَ بن عبدِالعزيزِ، والحسنِ، واللَّيْثِ، والَأوْزَاعِىِّ، ومالِكٍ: يُزَكِّيه إذا قَبَضَهُ لِعَامٍ
(3) فى الأصل، ب:"كعرض".
(4)
فى الأصل: "سبيل".
(5)
فى ب، م:"به".
(6)
فى: الأموال 431، 432.
وأخرج ابن أبي شَيْبَة حديث على، فى: باب وما كان لا يستقر يعطيه اليوم ويأخذه إلى يومين فليزكه، من كتاب الزكاة. المصنِّف 3/ 163.