الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَاشُورَاءَ (4). ولأنَّ الصلاةَ يُخَفَّفُ نَفْلُها عن فَرْضِها، بِدَلِيلِ أنَّه لا يُشْتَرَطُ القِيَامُ لِنَفْلِها، ويجوزُ في السَّفَرِ على الرَّاحِلَةِ إلى غيرِ القِبْلَةِ، فكذا الصِّيَامُ. وحَدِيثُهُم نَخُصُّه بحَدِيثِنَا، علَى أنَّ حَدِيثَنا أصَحُّ مِن حَدِيثِهم، فإنَّه مِن رِوَايَةِ ابنِ لَهِيعَةَ، ويحيى بن أَيُّوبَ، قال المَيْمُونِىُّ: سَألتُ أحمدَ عنه، فقال: أُخْبِرُكَ ماله عِنْدِى ذاكَ (5) الإِسْنَادُ، إلَّا أنَّه عن ابن عمرَ وحَفْصَةَ، إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ. والصلاةُ يَتَّفِقُ (6) وَقْتُ النِّيَّةِ لِنَفْلِهَا وفَرْضِهَا؛ لأنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ في أَوَّلِ الصلاةِ لا يُفْضِى إلى تَقْلِيلِهَا، بِخِلافِ الصَّوْمِ، فإنه يَعِنُّ (7) له الصَّوْمُ من النَّهَارِ، فعُفِىَ عنه، كما (8) جَوَّزْنَا التَّنَفُّلَ قَاعِدًا وعلى الرَّاحِلَةِ، لهذه العِلَّةِ.
فصل:
وأىَّ وَقْتٍ من النَّهَارِ نَوَى أجْزَأَهُ، سَوَاءٌ في ذلك ما قَبْلَ الزَّوَالِ وبعدَه. هذا ظَاهِرُ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ. وهو ظاهِرُ قَوْلِ ابنِ مسعُودٍ، فإنَّه قال: أحَدُكُمْ بِأَخْيَرِ النَّظرَيْنِ، ما لم يَأْكُلْ أو يَشْرَبْ. وقال رَجُلٌ لِسَعِيدِ بن المُسَيَّبِ: إنِّى لم آكُلْ إلى الظُّهْرِ، أو إلى العَصْرِ، أفَأَصُومُ بَقِيَّةَ يَوْمِى؟ قال: نعم. واخْتَارَ القاضى، في "المُجَرَّدِ"(9) أنَّه لا تُجْزِئُه النِّيَّةُ بعدَ الزَّوالِ. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، والمَشْهُورُ من قَوْلَىِ (10) الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ مُعْظَمَ النَّهارِ مَضَى [من غيرِ](11) نِيَّةٍ، بخِلافِ الناوِى قبلَ الزَّوَالِ، فإنَّه قد أدْرَكَ مُعْظَمَ العِبَادَةِ، ولهذا تَأْثِيرٌ في الأُصُولِ، بِدَلِيلِ أنَّ من أدْرَكَ الإِمامَ قبل الرَّفْعِ من الرُّكُوعِ أدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛
(4) تقدم تخريجه في صفحة 334.
(5)
في أ، ب، م:"ذلك".
(6)
في الأصل زيادة: "في".
(7)
في ب، م:"يعين".
(8)
في ب، م زيادة:"لو".
(9)
في أ، ب، م:"المحرر". وانظر: طبقات الحنابلة 2/ 205.
(10)
في الأصل: "قول".
(11)
في الأصل: "بغير".
لإدْرَاكِهِ مُعْظَمَها، ولو أدْرَكَه بعد الرَّفْعِ، لم يَكُنْ مُدْرِكًا لها، ولو أدْرَكَ مع الإِمامِ من الجُمُعَةِ رَكْعَةً، كان مُدْرِكًا لها؛ لأنَّها تَزِيدُ بالتَّشَهُّدِ، ولو أدْرَكَ أقَلَّ من رَكْعَةٍ، لم يَكُنْ مُدْرِكًا لها. ولَنا، أنَّه نَوَى في جُزْءٍ من النَّهارِ، فأشْبَهَ ما لو نَوَى في أوَّلِه، ولأنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الفَرْضِ، فكذا جَمِيعُ النَّهارِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ النَّفْلِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يُحْكَمُ له بالصَّوْمِ الشَّرْعِىِّ المُثَابِ عليه من وَقْتِ النِّيَّةِ، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ، فإنَّه قال: مَن نَوَى في التَّطَوُّعِ من النَّهَارِ، كُتِبَ له بَقِيَّةُ يَوْمِه، وإذا أجْمَعَ من اللَّيْلِ كان له يَوْمُه. وهذا قولُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وقال أبو الخَطَّابِ، في "الهِدَايَةِ": يُحْكَمُ له بذلك من أَوَّلِ النَّهَارِ. وهو قولُ بَعْضِ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الصَّوْمَ لا يَتَبَعَّضُ [فى اليَوْمِ](12)، بدَلِيلِ ما لو أكَلَ في بَعْضِه، لم يَجُزْ له صِيَامُ بَاقِيهِ، فإذا وُجِدَ في بَعْضِ اليَوْمِ دَلَّ على أنَّه صَائِمٌ من أَوَّلِه، ولا يَمْتَنِعُ (13) الحُكْمُ بالصَّوْمِ من غير نِيَّةٍ حَقِيقَةً (14)، كما لو نَسِىَ الصَّوْمَ بعدَ نِيَّتِه، أو غَفَلَ عنه، ولأنَّه لو أدْرَكَ بعضَ الرَّكْعَةِ أو بعضَ الجماعَةِ كان مُدْرِكًا لِجَمِيعِها. ولَنا، أنَّ ما قَبْلَ النِّيَّةِ لم يَنْوِ صِيامَه، فلا يكونُ صَائِمًا فيه؛ لِقَوْلِه عليه السلام:"إنَّمَا الْأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما [لِكُلِّ امْرِئٍ] (15) ما نَوَى"(16). ولأنَّ الصَّوْمَ عِبادَةٌ مَحْضَةٌ، فلا تُوجَدُ بغير نِيَّةٍ، كسائِرِ العِبادَاتِ المَحْضَةِ. ودَعْوَى أن الصَّوْمَ لا يَتَبَعَّضُ، دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وإنَّما يُشْتَرَطُ لِصَوْمِ البَعْضِ أنْ لا تُوجَدَ المُفْطِرَاتُ في شىءٍ من اليَوْمِ، ولهذا قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، في حَدِيثِ عَاشُورَاءَ:"فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ"(17). وأمَّا إذا نَسِىَ النِّيَّةَ بعدَ وُجُودِهَا، فإنَّه يكونُ مُسْتَصْحِبًا
(12) سقط من: الأصل.
(13)
في أ، ب، م:"يمنع".
(14)
في أ، ب، م:"حقيقية".
(15)
في الأصل، أ، ب:"لامرئ".
(16)
تقدم تخريجه في 1/ 156.
(17)
تقدم تخريجه في صفحة 334.