الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ زكاةِ الزُّرُوعَ والثِّمارِ
والأصْلُ فيها الكتابُ، والسُّنَّةُ، والإجْماعُ (25)؛ أمَّا الكتابُ فقولُ اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (26) والزكاةُ تُسَمَّى نَفَقَةً، بِدَلِيلِ قَوْلِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (27). وقال اللهُ تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (28). قال ابْنُ عَبَّاسٍ: حَقُّهُ: الزَّكَاةُ المَفْرُوضَةُ. وقال مَرَّةً: العُشْرُ، ونِصْفُ العُشْرِ. ومن السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ فيما دُونَ خَمْسَةِ أوسُقٍ صَدَقَةٌ". مُتَّفَقٌ عليه (29). وعن ابْنِ عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ وَكَانَ عَثَريًّا (30) العُشْرُ، وفِيمَا سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ". أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، وأبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ (31). وعن جَابِرٍ، أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:"فِيمَا سَقَتِ الأنْهَارُ والغَيْمُ العُشْرُ، وفِيمَا سُقِيَ بالسَّانيَةِ (32) نِصْفُ العُشْرِ". أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وأبو دَاوُدَ (33). وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ في الحِنْطَةِ، والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ، والزَّبِيبِ. قالَه ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ عبدِ البَرِّ.
(25) سقط من: أ، م.
(26)
سورة البقرة 267.
(27)
سورة التوبة 34.
(28)
سورة الأنعام 141.
(29)
تقدم تخريجه، في صفحة 12.
(30)
العثرى: ما سقته السماء. وقال الجوهرى: العثرى الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر.
(31)
تقدم تخريجه في صفحة 141.
(32)
في أ، م:"بالساقية". والسانية: البعير يسنى عليه، أي يستقى من البئر.
(33)
انظر التخريج السابق.
440 -
مسألة؛ قال أبو القاسم: (وكُلُّ مَا أخرَجَ اللهُ عز وجل مِنَ الْأرْضِ مِمَّا يَيْبَسُ ويَبْقَى، مِمَّا يُكَالُ ويَبْلُغُ خمْسَةَ أوْسُقٍ فَصَاعِدًا، فَفِيهِ العُشْرُ، إنْ كَانَ سَقْيُهُ مِنَ السَّمَاءِ والسُّيُوحِ (1)، وَإنْ كَانَ يُسْقَى بالدَّوَالِي والنَّوَاضِحِ ومَا فِيهِ الكُلَفُ (2)، فَنِصْفُ العُشْرِ).
هذه المَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ على أحْكامٍ؛ منها، أنَّ الزكاةَ تَجِبُ فيما جَمَعَ هذه الأوْصاف: الكَيْل، والبَقَاء، واليُبْس، من الحُبُوبِ والثِّمَارِ، ممَّا يُنْبِتُه الآدَمِيُّونَ، إذا نَبَتَ في أرْضِه، سَوَاءٌ كان قُوتًا، كالحِنْطَةِ، والشَّعِيرِ، والسُّلْتِ (3)، والأُرْزِ، والذُّرَةِ، والدُّخْنِ (4)، أو من القِطْنِيَّاتِ (5)، كالبَاقِلَّا، والعَدَسِ، والمَاشِ (6) والحِمَّصِ، أو من الأبَازيِرِ، كالكُسْفَرة (7)، والكَمُّونِ، والكَرَاوْيَا، أو البُزُورِ، كبِزْرِ الكَتَّانِ، والقِثَّاءِ، والخِيَارِ، أو حَبِّ البُقُولِ، كالرَّشَادِ (8)، وحَبِّ الفُجْلِ، والقِرْطِم (9)، والتُّرْمُسِ، والسِّمْسِمِ، وسَائِرِ الحُبُوبِ، وتَجِبُ أيضًا فيما جَمَعَ هذه الأوْصاف من الثِّمَارِ، كالتَّمْرِ، والزَّبِيبِ، والقشْمشِ (10)، واللَّوْزِ، والفُسْتُقِ، والبُنْدُقِ. ولا زكاةَ في سَائِرِ الفَوَاكِهِ،
(1) في أ، ب، م:"والسوح". ويقال للماء الجاري سيح.
(2)
الكلف: جمع الكلفة، وهو ما ينفق على الشىء لتحصيله من مال أو جهد، محدثة.
(3)
السلت: قيل ضرب من الشعير ليس له قشر، وقيل ضرب منه رقيق القشر صغار الحب.
(4)
الدخن: نبات عشبي، حبه صغير كحب السمسم.
(5)
القطنية، بالكسر، حكاه ابن قتيبة بالتخفيف وأبو حنيفة بالتشديد: الحبوب التي تدَّخر. اللسان (ق ط ن). ثم حكاه صاحب اللسان بضم القاف، ضبط قلم، وقال: ما كان سوى الحنطة والشعير والزبيب والتمر، أو هو اسم جامع للحبوب التي تطبخ.
(6)
الماش: حب، ذكر الفيروزابادى أنه معروف معتدل، يتطبب به.
(7)
كذا ذكره المؤلف بالفاء، وهو بالباء.
(8)
الرشاد: بقلة سنوية، لها حب حريف يسمى حب الرشاد.
(9)
القرطم: حب العصفر.
(10)
في أ، م:"والمشمش". وهو خطأ. وسيأتي ذكره.
والقشمش: هو الكشمش، وهو زبيب صغير لا نوى له. الجامع لمفردات الأدوية 4/ 21، 72.
كالخَوْخِ، والإجَّاصِ (11)، والكُمِّثْرَى، والتُّفَّاحِ، والمِشْمِشِ (12)، والتِّينِ، والجَوْزِ. ولا في الخُضَرِ، كالقَثَّاءِ، والخِيَارِ، والبَاذِنْجَان، واللِّفْتِ، والجَزَرِ. وبهذا قال عَطاءٌ في الحُبُوبِ كلِّها، ونحوُه قولُ أبي يوسفَ ومحمدٍ، فإنَّهما قالا: لا شىءَ فيما تُخْرِجُه الأرْضُ، إلَّا ما كانتْ له ثَمَرَةٌ باقِيَةٌ، يَبْلُغُ مَكِيلُها خَمْسَةَ أوْسُقٍ. وقال أبو عبدِ اللهِ بنُ حامِدٍ: لا شىءَ في الأبَازِيرِ، ولا البُزُورِ، ولا حَبِّ البُقُولِ. ولَعَلَّهُ لا يُوجِبُ الزكاةَ إلَّا فيما كان قُوتًا أو أُدْمًا (13)؛ لأنَّ ما عدَاهُ لا نَصَّ فيه، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ عليه فيَبْقَى على النَّفْي الأصْلِيِّ. وقال مالكٌ؛ والشَّافِعِيُّ: لا زكاةَ في ثَمَرٍ، إلَّا التَّمْرَ والزَّبِيبَ، ولا في حَبٍّ، إلَّا ما كان قُوتًا في حالَةِ الاخْتِيَارِ لذلك، إلَّا في الزَّيْتُونِ، على اخْتِلَافٍ. وحُكِيَ عن أحمدَ: إلَّا في الحِنْطَةِ، والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ، والزَّبِيبِ. وهذا قولُ ابْنِ عمرَ، وموسى بن طَلْحَةَ (14)، والحسنِ، وابْنِ سِيرِينَ، والشَّعْبِيِّ، والحسنِ بن صالِحٍ، وابْنِ أبي لَيْلَى، وابْنِ المُبَارَكِ، وأبي عُبَيْدٍ. والسُّلْتُ: نَوْعٌ من الشَّعِيرِ. ووَافَقَهُم إبراهيمُ، وزَادَ الذرَةَ. ووَافَقَهم ابنُ عَبَّاسٍ، وزَادَ الزَّيْتُونَ؛ لأنَّ ما عَدا هذا لا نَصَّ فيه ولا إجْمَاعَ، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ عليه، ولا المُجْمَعِ عليه، فيَبْقَى على الأصْلِ. وقد رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن عبدِ اللهِ بن عمرَ، أنَّه قال: إنَّما سَنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزكاةَ (15) في الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ والزّبِيبِ. وفي رِوَايةٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: " والعُشْرُ في التَّمْرِ
(11) الإجاص: يطلق في سورية وفلسطين وسيناء على الكمثرى وشجرها، وكان يطلق في مصر على البرقوق وثمره.
(12)
المشمش، مثلث الميمين.
(13)
الأدم: ما يستمرأ به الخبز.
(14)
موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه القرشي التيمي، تابعي ثقة، توفي سنة ثلاث ومائة. تهذيب التهذيب 10/ 350، 351.
(15)
سقط من: الأصل، ب.
والزَّبِيبِ، والْحِنْطَةِ والشَّعِيرِ". وعن موسى بن طَلْحَةَ، عن عمرَ، أنَّه قال: إنَّما سَنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكاةَ في هذه الأرْبَعَةِ: الحِنْطَةِ، والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ، والزَّبِيبِ. وعن أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى ومُعَاذٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهما إلى اليَمَنِ يُعَلِّمَانِ النّاسَ أمْرَ دِينِهم، فأمَرَهم أنْ لا يَأخُذُوا الصَّدَقَةَ إلَّا من هذه الأرْبَعَة: الحِنْطَةِ، والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ، والزَّبِيبِ. رَوَاهُنَّ كُلَّهُنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ (16). ولأنَّ غَيرَ هذه الأرْبَعَة لا نَصَّ فيها ولا إجْمَاعَ، ولا هو في مَعْنَاها في غَلَبَةِ الاقْتِيَاتِ بها، وكثْرَةِ نَفْعِها، وَوُجُودِها، فلم يَصِحَّ قِيَاسُه عليها، ولا إلْحَاقُه بها، فَيَبْقَى على الأصْلِ. وقال أبو حنيفةَ: تَجِبُ الزكاةُ في كلِّ ما يُقْصَدُ بزِرَاعَتِه نَماءُ الأرْضِ، إلَّا الحَطَبَ، والقَصَبَ، والحَشِيشَ؛ لِقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: "فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ" (17). وهذا عَامٌّ، ولأنَّ هذا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِه نَمَاءُ الأرْضِ، فأشْبَهَ الحَبَّ. وَوَجْهُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ، أنَّ عُمُومَ قَوْلِه صلى الله عليه وسلم: "فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ". وقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ: "خُذِ الْحَبَّ من الْحَبِّ" (18). يَقْتَضِي وُجُوبَ الزكاةِ في جَمِيعِ ما تَنَاوَلَهُ، خرَج منه ما لا يُكَالُ، وما ليسَ بِحَبٍّ، بِمَفْهُومِ قَوْلِه صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ في حَبٍّ ولا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حتى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ والنَّسَائِيُّ (19).
(16) أخرج الأول، في: باب ما يجب فيه الزكاة من الحب، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطني 2/ 94.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 580 والثاني، في: باب وجوب زكاة الذهب والورق والماشية والثمار والحبوب، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطني 2/ 93.
والثالث، في: باب ليس في الخضروات صدقة، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطني 2/ 96.
والرابع، في الباب نفسه. سنن الدارقطني 2/ 98.
كما أخرجه البيهقي، في: باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 128، 129.
(17)
تقدم تخريجه في صفحة 141.
(18)
أخرجه أبو داود، في: باب صدقة الزرع، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 370. وابن ماجه، في: باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 580.
(19)
أخرجه مسلم، في: أول كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 674، 675. والنسائي، في: باب زكاة التمر، وباب زكاة الحبوب، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 29، 30.
كما أخرجه الدارمي، في: باب ما لا يجب فيه الصدقة من الحبوب والورق والذهب، من كتاب الزكاة. سنن =