الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: إذا كان له حَاجَةٌ لا بُدَّ له من ذلك. قلت: يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ فى المسجدِ؟
قال: لا يُعْجِبُنِى أن يَتَوَضَّأَ فى المسجدِ.
فصل:
إذا خَرَجَ لما له منه بُدٌّ، بَطَلَ اعْتِكافُه وإنْ قَلَّ. وبه قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدُ بن الحسنِ: لا يَفْسُدُ حتَّى يكونَ أكْثَرَ من نِصْفِ يَوْمٍ؛ لأَنَّ اليَسِيرَ مَعْفُوٌّ عنه، بِدَلِيلِ أنَّ صَفِيَّةَ أَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُه فى مُعْتَكَفِه، فلمَّا قامَتْ لِتَنْقَلِبَ خَرَجَ معها لِيَقْلِبَها (6). ولأنَّ اليَسِيرَ مَعْفُوٌّ عنه، بِدَلِيلِ ما لو تَأَنَّى فى مَشْيِه. ولَنا، أَنَّه خُرُوجٌ من مُعْتَكَفِه لغيرِ حاجَةٍ، فأبْطَلَهُ، كما لو أقامَ أَكْثَرَ من نِصْفِ يَوْمٍ، وأمَّا خُرُوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَحْتَمِلُ أَنَّه لم يَكُنْ له منه (7) بُدٌّ؛ لأنَّه كان لَيْلًا، فلم يَأْمَنْ عليها، ويَحْتَمِلُ أنَّه فَعَلَ ذلك لِكَوْنِ اعْتِكافِه تَطَوُّعًا، له تَرْكُ جَمِيعِه، فكان له تَرْكُ بَعْضِه، ولذلك (8) تَرَكَهُ لمَّا أرادَ نِسَاؤُهُ الاعْتِكافَ معه. وأمَّا المَشْىُ فَتَخْتَلِفُ فيه طِبَاعُ النَّاسِ، وعليه فى تَغْيِيرِ مَشْيِه مَشَقَّةٌ، ولا كذلك هاهُنا، فإنَّه لا حَاجَةَ به إلى الخُرُوجِ.
530 - مسألة؛ قال: (ولَا يَعُودُ مَرِيضًا، ولَا يَشْهَدُ جِنَازَةً، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ ذلِكَ)
الكلامُ فى هذه المسألةِ فى فَصْلَيْنِ: أحدُهما، فى الخُرُوجِ لِعِيادَةِ المَرِيضِ وشُهُودِ الجِنازَةِ، مع عَدَمِ الاشْتِراطِ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ فى ذلك،
(6) أخرجه البخارى، فى: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، من كتاب الاعتكاف. وفى: باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق. صحيح البخارى 3/ 64، 4/ 150. وأبو داود، فى: باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، من كتاب الصِّيام. وفى: باب فى حسن الظَّنّ، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 1/ 575، 2/ 595. وابن ماجه، فى: باب فى المعتكف يزوره أهله فى المسجد، من كتاب الصِّيام. سنن ابن ماجه 1/ 566. والدارمى، فى: باب إعتكاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 27. والإِمام أحمد، فى: المسند 6/ 337.
(7)
سقط من: ب، م.
(8)
فى أ: "وكان كذلك".
فرُوِىَ عنه: ليس له فِعْلُه. وهو قَوْلُ عَطاءٍ، وعُرْوَةَ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِيِّ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. ورَوَى عنه الأَثْرَمُ، ومحمدُ بن الحَكَمِ، أنَّ له أن يَعُودَ المَرِيضَ، ويَشْهَدَ الجِنازَةَ، ويَعُودَ إلى مُعْتَكَفِهِ. وهو قولُ عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه. وبه قال سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىُّ، والحسنُ؛ لما رَوَى عاصِمُ بن ضَمْرَةَ، عن عليٍّ قال: إذا اعْتَكَفَ الرَّجُلُ فَلْيَشْهَدِ الجمعةَ، ولْيَعُدِ المَرِيضَ، ولْيَحْضُرِ الجِنازَةَ، ولْيَأَتِ أَهْلَهُ، وليَأْمُرْهم بالْحَاجَةِ وهو قَائِمٌ. رَوَاهُ الإِمامُ أحمدُ، والأثْرَمُ. وقال أحمدُ: عاصِمُ بن ضَمْرَةَ عندى حُجَّةٌ. قال أحمدُ: يَشْهَدُ الجِنازَةَ، ويَعُودُ المَرِيضَ، ولا يَجْلِسُ، ويَقْضِى الحاجَةَ، ويَعُودُ إلى مُعْتَكَفِهِ. وَجْهُ الأَوَّلِ، ما رُوِىَ عن عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا اعْتَكَفَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إلَّا لِحاجَةِ الإنْسانِ. مُتَّفَقٌ عليه (1). وعنها، رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّها قالتْ: السُّنَّةُ على المُعْتَكِفِ أن لا يَعُودَ مَرِيضًا، ولا يَشْهَدَ جِنَازَةً، ولا يَمَسَّ امْرَأةً، ولا يُبَاشِرَها، ولا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلَّا لما لا بُدَّ منه. وعنها. قالتْ: كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِالمَرِيضِ وهو مُعْتَكِفٌ، فَيَمُرُّ كما هو، فلا يُعَرِّجُ يسْأَلُ عنه. رَوَاهُما (2) أبو دَاوُدَ (3). ولأنَّ هذا ليس بِوَاجِبٍ، فلا يجوزُ تَرْكُ الاعْتِكافِ الوَاجِبِ من أجْلِه، كالمَشْىِ مع أخِيهِ فى حاجَةٍ لِيَقْضِيَها له. وإن تَعَيَّنَتْ عليه صلاةُ الجِنازَةِ، وأمْكَنَه فِعْلُها فى المسجدِ، لم يَجُزِ الخُرُوجُ إليها. وإنْ لم يُمْكِنْه ذلك، فله الخُرُوجُ إليها. وإنْ تَعَيَّنَ عليه دَفْنُ المَيِّتِ، أو تَغْسِيلُه، جازَ أن يَخْرُجَ له؛ لأنَّ هذا وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ، فيُقَدَّمُ على الاعْتِكافِ، كصلاةِ الجمعةِ، فأمَّا إنْ كان الاعْتِكافُ تَطَوُّعًا، وأحَبَّ الخُرُوجَ منه لِعِيادَةِ مَرِيضٍ، أو شُهُودِ جِنازَةٍ، جازَ؛ لأنَّ كُلَّ
(1) تقدَّم تخريجه فى صفحة 466.
(2)
فى الأصل، أ، ب:"رواهن". والأول متفق عليه كما مر.
(3)
الأوَّل تقدَّم تخريجه فى صفحة 466، والثاني أخرجه أبو داود، فى: باب المعتكف يعود المريض، من كتاب الصِّيام. سنن أبي داود 1/ 575.