الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّحْبَةِ. والحائِضُ مَمْنُوعَةٌ من المَسْجِدِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على هذا. ورَوَى عنه المَرُّوذِىُّ أنَّ المُعْتَكِفَ يَخْرُجُ إلى رَحْبَةِ المسجدِ، هى من المسجِدِ. قال القاضى: إنْ كان عليها حَائِطٌ وبَابٌ فهى كالمسجدِ؛ لأنَّها معه، وتَابِعَةٌ له، وإن لم تَكُنْ مَحُوطَةً، لم يَثْبُتْ لها حُكْمُ المسجدِ. فكأنَّه جَمَعَ بين الرِّوَايَتَيْنِ، وحَمَلَهما على اخْتِلافِ الحالَيْنِ. فإنْ خَرَجَ إلى مَنَارَةٍ خارِجَ المسجدِ للأذَانِ، بَطَلَ اعْتِكافُه. قال أبو الخَطَّابِ: ويَحْتَمِلُ أن لا يَبْطُلَ؛ لأنَّ مَنارَةَ المسجدِ كالمُتَّصِلَةِ به.
531 - مسألة؛ قال: (ومَنْ وَطِىءَ فَقَدْ أفْسَدَ اعْتِكَافَهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أنْ يَكُونَ وَاجِبًا)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الوَطْءَ فى الاعْتِكافِ مُحَرَّمٌ بالإِجْماعِ، والأصْلُ فيه قولُ اللهِ تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (1). فإن وَطِىءَ فى الفَرْجِ مُتَعَمِّدًا أفْسَدَ اعْتِكافَه، بإجْماعِ أهْلِ العِلْمِ. حكاه ابنُ المُنْذِرِ عنهم. ولأن الوَطْءَ إذا حُرِّمَ فى العِبادَةِ أفْسَدَهَا، كالحَجِّ والصَّوْمِ. وإن كان نَاسِيًا، فكذلك عند إمَامِنَا، وأبي حنيفةَ، ومَالِكٍ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يَفْسُدُ اعْتِكَافُه؛ لأنَّها مُباشَرَةٌ لا تُفْسِدُ الصومَ، فلم تُفْسِد الاعْتِكافَ، كالمُباشَرَةِ فيما دُونَ الفَرْجِ. ولَنا، أنَّ ما حُرِّمَ فى الاعْتِكَافِ اسْتَوَى عَمْدُه وسَهْوُه فى إفْسَادِهِ، كالخُرُوجِ من المسجدِ، ولا نُسَلِّمُ أَنَّها لا تُفْسِدُ الصَّومَ. ولأنَّ المُباشَرَةَ دُونَ الفَرْجِ لا تُفْسِدُ الاعْتِكافَ، إلَّا إذا اقْتَرَنَ بها الإِنْزالُ. إذا ثَبَتَ هذا، فلا كَفَّارَةَ بالوَطْءِ فى ظاهِرِ المذهبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقَوْلُ عَطَاءٍ، والنَّخَعِىِّ، وأهْلِ المَدِينَةِ، ومَالِكٍ، وأهْلِ العِراقِ، والثَّوْرِىِّ، وأهْلِ الشَّامِ،
(1) سورة البقرة 187.
والأوْزَاعِىِّ. ونَقَلَ حَنْبَلٌ عن أحمدَ أنَّ عليه كَفَّارَةً. وهو قولُ الحسنِ، والزُّهْرِىِّ، واخْتِيارُ القاضى؛ لأنَّه عبَادَةٌ (2) يُفْسِدُهَا الوَطْءُ لِعَيْنِه، فوَجَبَتِ الكَفَّارَةُ بِالوَطْءِ فيها، كالحَجِّ وصَوْمِ رمضانَ. ولَنا، أنَّها عِبادَةٌ لا تَجِبُ بِأصْلِ الشَّرْعِ، فلم تَجِبْ بإفسادِهَا كَفَّارَةٌ، كَالنَّوافِلِ، ولأنَّها عِبادَةٌ لا يَدْخُلُ المالُ فى جُبْرَانِها، فلم تجِب الكَفَّارَةُ بإفْسادِها، كالصلاةِ، ولأنَّ وُجُوبَ الكَفَّارَةِ إنَّما يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ، ولم يَرِد الشَّرْعُ بِإيجابِها، فتَبْقَى على الأصْلِ. وما ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بالصلاةِ وصَوْمِ غيرِ رمضانَ. والقِياسُ على الحَجِّ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه مُبَايِنٌ لِسائِرِ العِبادَاتِ، ولهذا يَمْضِى فى فاسِدِه، ويَلْزَمُ بالشُّرُوعِ فيه، ويَجِبُ بِالوَطْءِ فيه بَدَنَةٌ، بِخِلافِ غيرِه. ولأنَّه لو وَجَبَتِ الكَفَّارَةُ هاهُنا بِالقِياسِ عليه، لَلَزِمَ أن يكونَ بَدَنَةً؛ لأنَّ الحُكْمَ فى الفَرْعِ يَثْبُتُ على صِفَةِ الحُكْمِ فى الأصْلِ، إذْ كان القِيَاسُ إنَّما هو تَوْسِعَةُ مَجْرَى الحُكْمِ فيَصِيرُ النَّصُّ الوارِدُ فى الأصْلِ وَارِدًا فى الفَرْعِ، فيَثْبُتُ فيه الحُكْمُ الثَّابِتُ فى الأصْلِ بِعَيْنِه. وأَمَّا القِيَاسُ على الصَّومِ، فهو دَالٌّ على نَفْىِ الكفَّارَةِ؛ لأنَّ الصَّومَ كُلَّه لا يَجِبُ بِالوَطْءِ فيه كَفَّارَةٌ سِوَى رمضانَ، والاعْتِكَافُ أَشْبَهُ بغيرِ رمضانَ؛ لأنَّه نَافِلَةٌ لا يَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ، ثمَّ لا يَصِحُّ قِيَاسُه على رمضانَ أيضًا؛ لأنَّ الوَطْءَ فيه إنَّما أوْجَبَ الكَفَّارَةَ لِحُرْمَةِ الزَّمانِ، ولذلك يَجِبُ على كُلِّ من لَزِمَه الإِمْساكُ، وإن لم يُفْسِدْ به صَوْمًا. واخْتَلَفَ مُوجِبُو الكَفَّارَةِ فيها، فقال القاضى: يَجِبُ كَفَّارَةُ الظِّهارِ. وهو قولُ الحسنِ، والزُّهْرِيِّ، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، فى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ؛ فإنَّه رُوِىَ عن الزُّهْرِيِّ أنَّه قال: مَن أصَابَ فى اعْتِكافِه، فهو كهَيْئَةِ المُظَاهِرِ. ثمَّ قال أبو عبدِ اللهِ: إذا كان نَهَارًا وَجَبَتْ عليه الكَفَّارَةُ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أبَا عبدِ اللهِ إنَّمَا أوْجَبَ عليه الكَفَّارَةَ إذا فَعَلَ ذلك فى رمضانَ؛ لأنَّه اعْتَبَرَ ذلك فى النَّهارِ لأجْلِ الصومِ، ولو كان لِمُجَرَّدِ الاعْتِكافِ لمَا اخْتَصَّ الوُجُوبُ بِالنَّهارِ، كما لم يَخْتَصَّ
(2) فى م: "عادة". خطأ.