الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتُجْزِئُهُ، وله أَجْرُ الزَّيادَةِ.
فصل:
ويُخْرِجُ عن مَاشِيَتِه من جِنْسِها على صِفَتِها، فيُخْرِجُ عن البَخَاتَى (22) بُخْتِيَّةً، وعن العِرَابِ عَرَبِيَّةً، وعن الكِرَامِ كَرِيمَةً، وعن السِّمَانِ سَمِينَةً، وعن اللِّئَامِ والهِزَالِ لَئِيمَةً هَزِيلَةً. فإن أَخْرَجَ عن البَخَاتَى عَرَبِيَّةً بِقِيمَةِ البُخْتِيَّةِ، أو أَخْرَجَ عن السِّمَانِ هَزِيلَةً بِقِيمَةِ السَّمِينَةِ، جَازَ؛ لأنَّ القِيمَةَ مع اتِّحَادِ الجِنْسِ هى المَقْصُودُ. اخْتارَ (23) هذا أبو بكرٍ. وحُكِىَ عن القاضى وَجْهٌ آخَرُ: أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ فيه تَفْوِيتَ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ، فلم يَجُزْ، كما لو أَخْرَجَ من جِنْسٍ آخَرَ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ؛ لما ذَكَرْنَا، وفارَقَ خِلافَ الجِنْسِ. فإنَّ الجِنْسَ مَرْعِىٌّ فى الزكاةِ، ولهذا لو أَخْرَجَ البَعِيرَ عن الشَّاةِ لم يَجُزْ، ومع الجِنْسِ يجوزُ إخْرَاجُ الجَيِّدِ عن الرَّدِىءِ، بغيرِ خِلَافٍ.
400 - مسألة؛ قال: (فإذا زَادَتْ على عِشْرِينَ ومِائَةٍ، فَفِى كُلِّ أرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وفى كُلَّ خمْسِينَ حِقَّةٌ)
ظَاهِرُ هذا أنَّها إذا زَادَتْ على العِشْرِينَ والْمِائةِ وَاحِدَةً ففيها ثلاثُ بَناتِ لَبُونٍ، وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ، ومذهبُ الأوْزَاعِىَّ، والشَّافِعِىِّ، وإسْحاقَ. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لا يتغَيَّرُ (1) الفَرْضُ إلى ثَلَاثِينَ ومِائَةٍ، فيكونُ فيها حِقَّةٌ وبِنْتَا لَبُونٍ. وهذا مذهبُ محمدِ بن إسْحاقَ بن يَسَارٍ، وأبى عُبَيْدٍ. ولِمَالِكٍ رِوَايَتانِ؛ لأنَّ الفَرْضَ لا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ الوَاحِدَةِ؛ بِدَلِيلِ سَائِرِ الفُرُوضِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"فَإذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ ومِائَةٍ، فَفِى كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ"(2). والواحِدَةُ زِيَادَةٌ، وقد جاءَ مُصرَّحًا به فى حديثِ الصَّدَقَاتِ الذى كَتَبَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
(22) البخاتى: الإِبل الخراسانية.
(23)
فى ا، م:"أجاز".
(1)
فى ا، ب، م:"يتعدى".
(2)
تقدم فى صفحة 10.
وكان عِنْدَ آل عمرَ بن الخَطَّابِ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِىُّ (3)، وقال: هو حَدِيثٌ حَسَنٌ. وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: هو أحْسَنُ شَىْءٍ رُوِىَ فى أحادِيثِ الصَّدَقَاتِ. وفيه: "فَإذَا كَانَتْ إحْدَى وعِشْرِينَ ومِائةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ". وفى لَفْظٍ: "إلَى عِشْرِينَ ومِائةٍ، فَإذَا زَادَتْ وَاحِدَةً ففى كُلِّ أَرْبَعِينَ بنْتُ لَبُونٍ، وفى كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (4). وأَخْرَجَ حَدِيثَ أنَسٍ (5)، من رِوايةِ إسحاقَ بن رَاهُويَه، عن النَّضْر بن شُمَيْلٍ (6)، عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ، قال: أَخَذْنَا هذا الكتابَ مِن ثُمامَةَ يُحدِّثُه (7) عن أَنَسٍ. وفيه: "فَإذَا بَلَغَتْ إحْدَى وعِشْرِينَ ومِائَةً، فَفِى كُلَّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وفى كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ". ولأنَّ سائِرَ ما جَعَلَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم غَايَةً لِلْفَرْضِ، إذا زادَ عليه وَاحِدَةٌ تَغَيَّرَ الفَرْضُ، كذا هذا. وقَوْلُهم: إنَّ الفَرْضَ لا يَتَغَيَّرُ بِزِيادَةِ الوَاحِدَةِ. قُلْنا: وهذا ما تَغَيَّرَ بالوَاحِدَةِ وَحْدَها، وإنَّما تَغَيَّرَ بها مع ما قَبْلَها، فأشْبَهَتِ الوَاحِدَةَ الزَّائِدَةَ عن التِّسْعِينَ والسِّتِّينَ وغيرهما. وقال ابنُ مسعودٍ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: إذا زادَتِ الإِبلُ على عِشْرِينَ ومِائَةٍ، اسْتُؤْنِفَت الفَرِيضَةُ، فى (8) كلَّ خَمْسٍ شَاةٌ إلى خَمْسٍ وأرْبَعِينَ ومِائَةٍ، فيكونُ فيها حِقَّتانِ، وبِنْتُ مَخاضٍ، إلى خَمْسِينَ ومائةٍ، ففيها ثَلَاثُ حِقَاقٍ. وتُسْتَأْنَفُ الفَرِيضَةُ فى كلِّ خَمْسٍ شَاةٌ؛ لما رُوىَ أن النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم
(3) أخرجه أبو داود، فى: باب فى زكاة السائمة، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 361. والترمذى، فى: باب ما جاء فى زكاة الإِبل والغنم، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 106 - 109: كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب صدقة الإبل، من كتاب الزكاة. سنن ماجه 1/ 573، 574. والدارمى، فى: باب فى زكاة الغنم، وباب فى زكاة الإِبل، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 381 - 383. والدارقطنى، فى: باب زكاة الإبل والغنم، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 112، 113، 116، 117. والإِمام أحمد، فى: المسند 2/ 15.
(4)
فى: باب زكاة الإِبل والغنم، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 113. وفيه:"ففى كل أربعين جذعة".
(5)
فى: باب زكاة الإِبل والغنم، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 114، 115.
(6)
فى ا، م:"إسماعيل" خطأ.
(7)
فى ا، م:"يحدث به".
(8)
فى م: "ففى".
كَتَبَ لِعَمْرِو بن حَزْمٍ كِتَابًا، ذَكَرَ فيه الصَّدَقَاتِ والدِّيَاتِ (9)، وذَكَرَ فيه مِثْلَ هذا. ولنا، أنَّ فى حَدِيثَىِ الصَّدَقَاتِ الذى كَتَبَهُ أبو بكرٍ لِأَنَسٍ، والذى كان عندَ آلِ عمرَ ابن الخَطَّابِ مِثْلَ مَذْهَبِنا، وهما صَحِيحانِ، وقد رَوَاهُ أبو بكرٍ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِه: هذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِى فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على المُسْلِمِينَ. وأمَّا كتابُ عَمْرِو بن حَزْمٍ، فقد اخْتُلِفَ فى صِفَتِه، فرَوَاهُ الأَثْرَمُ فى "سُنَنِه" مِثْلَ مَذْهَبِنا. والأخْذُ بذلك أَوْلَى، لِمُوَافَقَتِه الأحَادِيثَ الصَّحاحَ، ومُوَافَقَتِه القِياسَ، فإنَّ المالَ إذا وَجَبَ فيه مِن جِنْسِه لم يَجِبْ من غَيْرِ جِنْسِه، كسائِرِ بَهِيمة الأنْعامِ، ولأنَّه مالٌ احْتَمَلَ المُوَاساةَ من جِنْسِه، فلم يَجِبْ من غيرِ جِنْسِه، كالبَقَرِ والغَنَمِ، وإنَّما وَجَبَ فى الابْتِدَاءِ مِن غيرِ جِنْسِه، لأنَّه ما احْتَمَلَ المُوَاساةَ من جِنْسِهِ، فلم يَجِبْ مِن غيرِ جِنْسِه، فعَدَلْنَا إلى غيرِ الجِنْسِ ضَرُورَةً، وقد زَالَ ذلك بِزِيادَةِ المالِ وكَثْرَتِه، ولأنَّه عِنْدَهم يَنْتَقِلُ (10) مِن بِنْتِ مَخَاضٍ إلى حِقَّةٍ، بِزِيَادَةِ خَمْسٍ من الإِبِلِ، وهى زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ لا تَقْتَضِى الانْتِقَالَ إلى حِقَّةٍ، فإنَّا لم نَنْتَقِلْ (11) فى مَحَلِّ الوِفَاقِ مِن بِنْتِ مَخَاضٍ إلى حِقَّةٍ، إلَّا بِزِيَادَةِ إحْدَى وعِشْرِينَ، وإن زَادَتْ على مائةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا من بَعِيرٍ، لم يَتَغَيَّرِ الفَرْضُ عند أحَدٍ من النَّاسِ؛ لأنَّ فى بعضِ الرِّوَايَاتِ:"فإذا زَادَتْ وَاحِدَةً". وهذا يُقَيِّدُ مُطْلَقَ الزِّيادَةِ فى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى، ولأنَّ سائِرَ الفُرُوضِ لا تَتَغَيَّرُ بِزِيادَةِ جُزْءٍ. وعلى كِلْتا الرِّوَايَتَيْنِ متى بَلَغَتِ الإِبِلُ مائةً وثَلَاثِينَ ففيها حِقَّةٌ وبِنتا لَبُونٍ، وفى مائةٍ وأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وبِنْتَا لَبُونٍ، وفى مائةٍ وخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وفى مائةٍ وسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ. ثم كُلَّما زَادَتْ عَشْرًا
(9) أخرجه الحاكم، فى: باب زكاة الذهب، من كتاب الزكاة. المستدرك 1/ 395 - 397. وعبد الرزاق، فى: باب الصدقات، من كتاب الزكاة. المصنف 4/ 4، 5. وذكره الهيثمى، فى: باب منه فى بيان الزكاة، من كتاب الزكاة. مجمع الزوائد 3/ 71. وأخرجه مختصرا كل من: الدارمى، فى: باب زكاة الغنم، وباب زكاة الإِبل، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 381، 383. والدارقطنى، فى: باب زكاة الإِبل والغنم، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 117.
(10)
فى ا، م:"ينقل".
(11)
فى ا، م:"ننقل".
أُبْدِلَتْ مَكَانَ بِنْتِ لَبُونٍ حِقَّةٌ، ففى مائةٍ وسَبْعِينَ حِقَّةٌ (12) وثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وفى مائةٍ وثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وابْنَتَا لَبُونٍ، وفى مائةٍ وتِسْعِينَ ثَلاثُ حِقَاقٍ وبِنْتُ لَبُونٍ. فإذا بَلَغَتْ مائَتَيْنِ اجْتَمَعَ الفَرْضانِ؛ لأنَّ فيهما خَمْسِينَ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، [وأَرْبَعِينَ خَمْسَ مَرَّاتٍ](13)، فَيجبُ عليه أرْبَعُ حِقَاقٍ أو خَمْسُ بَناتِ لَبُونٍ، أىَّ الفَرْضَيْنِ شَاءَ أَخْرَجَ، وإن كان الآخَرُ أفْضَلَ منه. وقد رُوِىَ عن أحمدَ أنَّ عليه أَرْبَعَ حِقَاقٍ. وهذا مَحْمُولٌ على أنَّ عليه أرْبَعَ حِقَاقٍ بصِفَةِ (14) التَّخْيِيرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكونَ المُخْرِجُ وَلِيًّا لِيَتيمٍ أو مَجْنُونٍ، فليس له أن يُخْرِجَ من مَالِه إلَّا أدْنَى الفَرْضَيْنِ. وقال الشَّافِعِىُّ: الخِيَرَةُ إلى السَّاعِى. ومُقْتَضَى قَوْلِه أنَّ رَبَّ المالِ إذا أَخْرَجَ لَزِمَهُ إخْرَاجُ أَعْلَى الفَرْضَيْنِ، واحْتَجَّ بِقَوْلِ اللهِ تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (15). ولأنَّه وُجِدَ سَبَبُ الفَرْضَيْنِ، فكانتِ الخِيَرَةُ إلى مُسْتَحِقِّه أو نَائِبِه، كقَتْلِ العَمْدِ المُوجِبِ لِلْقِصَاصِ أو الدِّيَةِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فى كتابِ الصَّدَقَاتِ، الذى كَتَبَهُ، وكان عِنْدَ آل عمرَ بن الخَطَّابِ:"فَإذَا كَانَتْ مائَتَيْنِ، فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أو خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أىُّ السِّنَّيْنِ (16) وُجِدَتْ أُخِذَتْ"(17). وهذا نَصٌّ لا يُعَرَّجُ معه على شىءٍ يُخَالِفُه، وقولُه عليه السلام لِمُعَاذٍ:"إيَّاكَ وكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ"(18). ولأنَّها زكاةٌ ثَبَتَ فيها الخِيَارُ، فكان ذلك لِرَبِّ المالِ، كالخِيَرَةِ فى الجُبْرَانِ بين شاتَيْن (19) أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وبين النُّزُولِ والصُّعُودِ، وتَغْييرِ (20) المُخْرَجِ، ولا تَتَنَاوَلُ الآيةُ ما نَحْنُ فيه؛ لأنَّه إنَّما يَأْخُذُ
(12) فى م: "سنة" خطأ.
(13)
سقط من: الأصل.
(14)
فى ا، م:"بصيغة".
(15)
سورة البقرة 267.
(16)
فى م: "البنتين" خطأ.
(17)
تقدم تخريجه فى صفحة 21.
(18)
تقدم تخريجه فى 1/ 275. وانظر حاشية صفحة 5 من هذا الجزء.
(19)
فى م: "مائتين".
(20)
فى م: "وتعيين".