الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِدَلِيلِ أنَّ زكاةَ الفِطْرِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُها بِهِلالِ شَوَّال، وهو زَمَنُ الوُجُوبِ. فإذا ثَبَتَ هذا فإنَّه لا يجوزُ تَقْدِيمُها قبلَ ذلك، لأنَّه يكونُ قبلَ وُجُودِ سَبَبِها.
فصل:
وإن عَجَّلَ زكاةَ مَالِه، ثم ماتَ، فأرادَ الوَارِثُ الاحْتِسَابَ بها عن زكاةِ حَوْلِه، لم يَجُزْ. وذكر القاضى وَجْهًا فى جَوَازِه، بِنَاءً على ما لو عَجَّلَ زَكَاةَ عَامَيْنِ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه تَعْجِيلٌ لِلزكاةِ قبل وُجُودِ سَبَبِها، أشْبَهَ ما لو عَجَّلَ زكاةَ نِصابٍ لغَيْرِه، ثم اشْتَرَاهُ، وذلك لأنَّ سَبَبَ الزكاةِ مِلْكُ النِّصابِ، ومِلْكُ الوَارِثِ حَادِثٌ، ولا يَبْنِى الوَارِثُ على حَوْلِ المَوْرُوثِ، ولأنَّه لم يُخْرِج الزَّكَاةَ، وإنَّما أخْرَجَها غيرُه عن نَفْسِه، وإخْراجُ الغيرِ عنه مِن غيرِ وِلايَةٍ ولا نِيَابَةٍ لا يُجْزِئُ ولو نَوَى، فكيف إذا لم يَنْوِ. وقد قال أصْحَابُنَا: لو أَخْرَجَ زَكَاتَه وقال: إن كان مُوَرِّثِى (24) قد ماتَ فهذه زَكَاةُ مَالِه، فبَانَ أنَّه قد ماتَ، لم يقَعِ المَوْقِع. وهذا أبْلَغُ ولا يُشْبِه هذا تَعْجِيلَ زَكاةٍ لعامَيْنِ (25)؛ لأنَّه ثَمَّ (26) عَجَّلَ بعدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وأخْرَجَها بِنَفْسِه، بخِلافِ هذا. فإن قِيلَ: فإنَّه لمَّا ماتَ المُوَرِّثُ قبلَ الحَوْلِ، كان لِلْوَارِثِ ارْتِجَاعُها، فإذا لم يَرْتَجِعْها احْتَسَبَ بها كالدَّيْنِ. قُلْنا: فلو أرادَ أن يَحْتَسِبَ (27) الدَّيْنَ عن زكاتِه لم يَصِحَّ، ولو كان له عند رَجُلٍ شَاةٌ من غَصْبٍ أو قَرْضٍ، فأرادَ أن يَحْتَسِبَها (28) عن زَكَاتِه، لم تُجْزِهِ.
421 - مسألة؛ قال: (ومن قَدَّمَ زكَاةَ مَالِه، فأعْطَاهَا لِمُسْتَحِقِّها، فمَاتَ المُعْطَى قَبْلَ الحَوْلِ، أو بَلَغَ الحَوْلَ وَهُوَ غَنِىٌّ مِنْهَا، أو مِنْ غَيْرِها، أجْزَأَتْ عَنْهُ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه إذا دَفَعَ الزكاةَ المُعَجَّلَةَ إلى مُسْتَحِقِّها، لم يَخْلُ من أَرْبَعَة
(24) فى ب: "موروثى".
(25)
فى م: "العامين".
(26)
سقط من: أ، ب، م.
(27)
فى الأصل: "يحسب".
(28)
فى الأصل: "يحتسب".
أقْسامٍ: أحدُها، أنْ لا يَتَغَيَّرَ الحالُ، فإنَّ المَدْفُوعَ يَقَعُ مَوْقِعَهُ، ويُجْزِئ عن المُزَكِّى، ولا يَلْزَمُه بَدَلُه، ولا لَه اسْتِرْجَاعُه، كما لو دَفَعَها بعد وُجُوبِها. الثانى، أن يَتَغَيَّرَ حَالُ الآخِذِ لها، بأن يَمُوتَ قبلَ الحَوْلِ، أو يَسْتَغْنِىَ، أو يَرْتَدَّ قبلَ الحَوْلِ. فهذا فى حُكْمِ القِسْمِ الذى قَبْلَه، وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يُجْزِئ؛ لأنَّ ما كان شَرْطًا لِلزَّكَاةِ إذا عَدِمَ قبلَ الحَوْلِ لم يُجْزِ، كما لو تَلِفَ المالُ، أو مَاتَ رَبُّهُ. ولَنا، أنَّه (1) أدَّى الزكاةَ إلى مُسْتَحِقِّها، فلم يَمْنَع الإجْزَاءَ تَغَيُّرُ حَالِه، كما لو اسْتَغْنَى بها، ولأنَّه حَقٌّ أدَّاهُ إلى مُسْتَحِقِّه، فَبَرِئ منه، كالدَّيْنِ يُعَجِّلُه (2) قبلَ أجَلِه، وما ذَكَرُوهُ مُنتَقِضٌ بما إذا اسْتَغْنَى بها، والحُكْمُ فى الأصْلِ مَمْنُوعٌ، ثم الفَرْقُ بَيْنَهُما ظَاهِرٌ، فإنَّ المالَ إذا تَلِفَ تَبَيَّنَ عَدَمُ الوُجُوبِ؛ فأشْبَهَ ما لو أدَّى إلى غَرِيمِهِ دَرَاهِمَ يَظُنُّها عليه، فتَبَيَّنَ أنَّها ليست عليه، وكما لو (3) أدَّى الضَّامِنُ الدَّيْنَ، فبَانَ أنَّ المَضْمُونَ عنه قد قَضاهُ، وفى مَسْأَلَتِنا الحَقُّ وَاجِبٌ، وقد أخَذَهُ مُسْتَحِقُّهُ. القِسْمُ الثَّالِث، أن يَتَغَيَّرَ حَالُ رَبِّ المَالِ قبلَ الحَوْلِ بِمَوْتِه أو رِدَّتِه، أو تَلَفِ النِّصَاب، أو نَقْصِه (4)، أو بَيْعِه، فقال أبو بكرٍ: لا يَرْجِعُ بها على الفَقِيرِ، سَوَاءٌ أعْلَمَهُ أنَّها زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ أو لم يُعْلِمْهُ. قال (5) القاضى: وهو المذهبُ عِنْدِى؛ لأنَّها وَصَلَتْ إلى الفَقِيرِ فلم يكنْ له ارْتِجَاعُها، كما لو لم يُعْلِمْهُ، ولأنَّها زَكاةٌ دُفِعَتْ إلى مُسْتَحِقِّها، فلم يَجُزِ اسْتِرْجَاعُها، كما لو تَغَيَّرَ حَالُ الفَقِيرِ وَحْدَه. قال أبو عبدِ اللهِ ابنُ حامِدٍ: إن كان الدَّافِعُ لها السَّاعِى، اسْتَرْجَعَها بكلِّ حالٍ، وإن كان الدَّافِعُ رَبَّ المالِ، وأَعْلَمَهُ أنَّها زكاةٌ مُعجَّلَةٌ، رَجَعَ بها، وإن أَطْلق لم يَرْجِعْ بها (6).
(1) فى أ، ب، م زيادة:"إذا".
(2)
فى م: "يتعجله".
(3)
سقط من: م.
(4)
فى م: "نفسه".
(5)
فى م: "وقال".
(6)
سقط من الأصل، ب.