الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَوْجِها وبَنِى أخٍ لها يَتَامَى؟ قال: "نَعَمْ، لَهَا أجْرَانِ؛ أجْرُ القَرَابَةِ، وأجْرُ الصَّدَقَةِ". رَوَاهُ النَّسَائِىُّ (19). وتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ على مَن اشْتَدَّتْ حَاجَتُه؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (20).
فصل:
والأَوْلَى أنْ يَتَصَدَّقَ من الفاضِلِ عن كِفايَتِه، وكفِايَةِ مَن يَمُونُه على الدَّوَامِ؛ لقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ". مُتَّفَقٌ عليه (21). فإن تَصَدَّقَ بما يَنْقُصُ من (22) كِفايَةِ مَن تَلْزَمُه مُؤْنَتُه، ولا كَسْبَ له، أثِمَ؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"كَفَى بالْمَرْءِ إثْمًا أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ"(23). ولأنَّ نَفَقَةَ من يَمُونُه وَاجبَةٌ، والتَّطَوُّعَ نَافِلَةٌ، وتَقْدِيمُ النَّفْلِ على الواجبِ (24) غيرُ جائِرٍ. فإن كان الرَّجُلُ وَحْدَهُ، أو كان لِمَنْ يَمُونُ (25) كِفَايَتُهم فأرَادَ الصَّدَقَةَ بجَمِيعِ مالِه، وكان ذا مَكْسَبٍ، أو كان وَاثِقًا مِن نَفْسِه، يُحْسِنُ التَّوَكُّلَ والصَّبْرَ على الفَقْرِ، والتَّعَفُّفَ عن المَسْأَلَةِ، فحَسَنٌ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن أفْضَلِ الصَّدَقَةِ، فقال:"جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلى فَقِيرٍ في السِّرِّ"(26). وَرُوِىَ عن
(19) تقدم تخريجه في صفحة 151.
(20)
سورة البلد 16.
(21)
انظر ما تقدم في حاشية صفحة 264.
(22)
في م: "عن".
(23)
في م: "يمون".
والحديث أخرجه أبو داود، في: باب في صلة الرحم، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 393. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 160، 193، 194، 195.
(24)
في م: "الفرض".
(25)
في الأصل: "يمونه".
(26)
أخرجه أبو داود، في: باب طول القيام، من كتاب الوتر، وفي: باب الرخصة في ذلك، من كتاب
الزكاة. سنن أبي داود 1/ 334، 390. والنسائي، في: باب جهد المقل، من كتاب الزكاة. المجتبى
5/ 44، والدارمى، في: باب أي الصلاة أفضل، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 331. والإمام
أحمد، في: المسند 2/ 358، 3/ 412، 5/ 178، 179، 265.
عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: أمَرَنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نَتَصَدَّقَ، فوَافَقَ ذلك مالًا عِنْدِى، فقلتُ: اليَوْمَ أسْبِقُ أبا بكرٍ إن سَبَقْتُه يَوْمًا، فجئْتُ (27) بِنِصْفِ مالِى، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ما أبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ " قلتُ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ مِثْلَه، فأتَى (28) أبو بكرٍ بكُلِّ ما عِنْدَه، فقال له:"ما أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ " قال: اللَّه ورسولَهُ فقلتُ: لا أُسَابِقُكَ إلى شىءٍ بَعْدَه (29) أبَدًا (30). فهذا كان فَضِيلَةً في حَقِّ [أبى بكر](31) الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللَّه عنه، لِقُوَّةِ يَقينه (32)، وكَمَالِ إيمَانِه، وكان أيضا تَاجِرًا ذا مَكْسَبٍ، فإنَّه قال حِينَ وَلِىَ: قد عَلِمَ النَّاسُ أنَّ كَسْبِى لم يَكُنْ لِيَعْجِزَ عن مُؤْنَةِ عِيَالِى. أو كما قال، رَضِىَ اللهُ عنه. وإن لم يُوجَدْ في المُتَصَدِّقِ أحَدُ هذَيْنِ، كُرِهَ؛ لما رَوَى أبو دَاوُدَ (33)، عن جابِرِ بن عبدِ اللهِ، قال: كُنَّا عندَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، إذْ جاءَ رَجُلٌ بمثلِ بَيْضَةٍ من ذَهَبٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أصَبْتُ هذه من مَعْدِنٍ، فخُذْها فهى صَدَقَةٌ، ما أمْلِكُ غَيْرَها. فأعْرَضَ عنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم أتَاهُ مِن قِبَلِ رُكْنِه الأيْمنِ، فقال مِثْلَ ذَلِكَ، فأعْرَضَ عنه، ثم أتَاهُ مِن قِبَلِ رُكْنِه الأَيْسَرِ، [فقال مِثْلَ ذلك](34)، فأعْرَضَ عنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم أتاهُ مِن خَلْفِه، فأخَذَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحَذَفَه بها، فلو أصَابَتْه لأوْجَعَتْه، أو لَعَقَرَتْه، وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِى أحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، ويَقُولُ: هذِهِ
(27) في م: "فجئته".
(28)
في م: "فأتاه".
(29)
سقط من: الأصل، أ.
(30)
أخرجه أبو داود، في: باب الرخصة في ذلك [أى في الرجل يخرج من ماله]، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 390. والترمذى، في: باب في مناقب أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، من أبواب المناقب 13/ 138، 139. والدارمى، في: باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 391، 392.
(31)
سقط من: أ، ب، م.
(32)
في الأصل: "نَفسه".
(33)
تقدم تخريجه في صفحة 150.
(34)
سقط من: أ، ب، م.
صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى". فقد نَبَّه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم على المَعْنَى الذى كَرِهَ لأجْلِه (35) الصَّدَقَةَ بَجَمِيعِ مَالِه، وهو أن يَسْتَكِفَّ الناسَ، أى يَتَعَرَّض لهم لِلصَّدَقَةِ، أي يَأْخُذَها ببَطْنِ كَفِّه يقال: تَكَفَّفَ، واسْتَكَفَّ. إذا فَعَلَ ذلك (36). ورَوَى النَّسَائِيُّ (37)، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أعْطَى رَجُلًا ثَوْبَيْنِ من الصَّدَقَةِ، ثم حَثَّ على الصَّدَقَةِ، فطَرَحَ الرَّجُلُ أحَدَ ثَوْبَيْهِ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَوْا إلَى هذَا، دَخَلَ بهَيْئَةٍ بَذَّةٍ (38) فأعْطَيْتُه ثَوْبَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: تَصَدَّقُوا. فَطَرَحَ أحَدَ ثَوْبَيْهِ، خُذْ ثَوْبَكَ". وانْتَهَرَهُ. ولأنَّ الإِنسانَ إذا أخْرَجَ جَمِيعَ مالِه، لا يَأْمَنُ فِتْنَةَ الفَقْرِ، وشِدَّةَ نِزَاعِ النَّفْسِ إلى ما خَرَجَ منه، فيَنْدَمُ، فيَذْهَبُ مالُه ويَبْطُلُ أجْرُه، ويَصِيرُ كَلًّا على الناسِ. ويُكْرَهُ لمن لا صَبْرَ له على الإِضَاقَةِ أن يَنْقُصَ نَفْسَهُ من الكِفَايَةِ التَّامَّةِ، واللهُ أعلمُ.
(35) في م: "من أجله".
(36)
هذا نقل عن الخطابي، في معالم السنن 2/ 77.
(37)
في: باب حث الإِمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته، من كتاب الجمعة، وفي: باب إذا تصدق وهو محتاج إليه هل يرد عليه، من كتاب الزكاة. المجتبى 3/ 87، 5/ 47.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الرجل يخرج من ماله، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 389.
(38)
أى تدل على الفقر.