الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعِيبَةً (12)، فله الانْتِقَالُ إلى ابْنِ لَبُونٍ؛ لِقَوْلِه فى الخَبَرِ:"فَمَنْ (13) لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، على وَجْهِهَا" ولأنَّ وُجُودَها كعَدَمِها، لِكَوْنِها لا يجوزُ إخْرَاجُها، فأشْبَهَ الذى لا يَجِدُ إلَّا ما لا يجوزُ الوُضُوءُ به فى انْتِقَالِه إلى التَّيَمُّمِ، وإن وَجَدَ ابْنَةَ مَخَاضٍ أعْلَى مِن صِفَةِ الوَاجِبِ، لم يُجْزِهِ ابنُ لَبُونٍ؛ لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ على وَجْهِها، ويُخَيَّرُ بين إخْرَاجِها وبَيْنَ شِرَاءِ بِنْت مَخَاضٍ على صِفَةِ الوَاجِبِ، ولا [يُجْبَرُ نَقْصُ](14) الذُّكُوريَّة بزِيَادَةِ سِنٍّ فى غيرِ هذا المَوْضِعِ، ولا يُجْزِئُهُ أَن يُخْرِجَ عن ابْنِ لَبُونٍ حِقًّا، ولا عن الحِقَّةِ جَذَعًا، [مع عَدَمِهما](15) ولا وُجُودِهما. وقال القَاضِى، وابْنُ عَقِيلٍ: يجوزُ ذلك مع عَدَمِهما؛ لأنَّهما أَعْلَى وأَفْضَلُ، فَيَثْبُتُ الحُكْمُ فيهما بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. ولنَا، أنَّه لا نَصَّ فيهما، ولا يَصِحُّ قِيَاسُهما على ابْنِ لَبُونٍ مَكانَ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لأنَّ زِيَادةَ سِنِّ ابن لَبُونٍ على بِنْتِ مَخَاضٍ يَمْتَنِعُ بها من صِغارِ السِّبَاعِ، ويَرْعَى الشَّجَرَ بِنَفْسِه، ويَرِدُ الماءَ، ولا يُوجَدُ هذا فى الحِقِّ مع بِنْتِ لَبُون، لأنَّهما يَشْتَرِكَانِ فى هذا، فلم يَبْقَ إلا مُجَرَّدُ السِّنِّ فلم يُقَابِل الأُنُوثِيَّةَ (16). وقَوْلُهما: إنَّه يَدُلُّ على ثُبُوتِ الحُكْمِ فيهما بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. قُلْنَا: بل يَدُلُّ على انْتِفَاءِ الحُكْمِ فِيهِما بِدَلِيلِ خِطَابِه، فإنَّ تَخْصِيصَهُ بالذِّكْرِ دُونَهما دَلِيلٌ على اخْتِصَاصِه بالحُكْمِ دُونهما.
فصل:
وإنْ أَخْرَجَ عن الوَاجِبِ سِنًّا أَعْلَى من جِنْسِه، مثل أن يُخْرِجَ بِنْتَ لَبُونٍ عن بِنْتِ مَخَاضٍ، وحِقَّةً عن بِنْتِ لَبُونٍ أو بِنْتِ مَخَاضٍ، أو أخْرَجَ عن الجَذَعَةِ ابْنَتَىْ لَبُونٍ أو حِقَّتَيْنِ، جَازَ. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لأنَّه زَادَ على الوَاجِبِ
(12) فى م: "معينة".
(13)
فى ا، م:"فإن".
(14)
فى م: "يخير بعض".
(15)
فى ا، م:"لعدمهما".
(16)
فى ا، م:" إلا بتوجيه".
مِن جِنْسِه ما يُجْزِئُ عنه مع (17) غيرِه، فكان مُجْزِيًا عنه على انْفِرَادِهِ، كما لو كانت الزِّيَادَةُ فى العَدَدِ. وقد رَوَى الإِمامُ أحمدُ، فى "مُسْنَدِهِ"، وأبو دَاوُدَ، فى "سُنَنِه"(18)، بإسْنَادِهما عن أُبَىِّ بنِ كَعْبٍ قال: بَعَثَنِى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا، فمَرَرْتُ بِرَجُلٍ، فلمَّا جَمَعَ لى مَالَهُ لم أجِدْ عليه فيه إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ. فقلتُ له: أَدِّ بِنْتَ مَخَاضٍ، فإنَّها صَدَقَتُكَ. فقال: ذَاكَ ما لا لَبَنَ فيه ولا ظَهْرَ، ولكن هذه نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ، فخُذْها. فَقُلْتُ: ما أنا بآخِذٍ ما لم أُومَرْ به، وهذا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْكَ قَرِيبٌ، فإن أحْبَبْتَ أن تَأْتِيَهُ فَتَعْرِضَ عليه ما عَرَضْتَ عَلَىَّ فَافْعَلْ، فإن قبِلَهُ منك قَبِلْتُه، وإن رَدَّهُ عليك رَدَدْتُه. قال: فإنِّى فَاعِلٌ. فَخَرَجَ معى وخَرَجَ بالنَّاقَةِ التى عَرَضَ عَلَىَّ، حتى قَدِمْنا (19) على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نَبِىَّ اللهِ، أتَانِى رَسُولُكَ لِيَأْخُذَ مِنِّى صَدَقَةَ مَالِى، وايْمُ اللهِ، ما قَامَ فى مَالِى رسولُ اللَّه ولا رَسُولُه قَطُّ قَبْلَهُ، فَجَمَعْتُ له مَالِى، فَزَعَمَ أنَّ ما عَلَىَّ فيه بِنْتُ مَخَاضٍ، وذاك ما لا لَبَنَ فيه ولا ظَهْرَ، وقد عَرَضْتُ عليه نَاقَةً فَتِيَّةً سَمِينَةً عَظِيمَةً لِيَأْخُذَهَا فأبَى، وها هى ذِهْ، قد جِئْتُكَ بها يا رسولَ اللهِ، خُذْهَا. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ذَاكَ الَّذِى وَجَبَ عَلَيْكَ، فَإنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ (20) اللهُ فِيهِ، وقَبِلْنَاهُ مِنْكَ". فقال: فها هى ذِهْ يا رَسولَ اللهِ، قد جِئْتُكَ بها. قال: فأَمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَبْضِهَا، ودَعَا له فى مَالِه بالبَرَكَةِ. وهكذا الحُكْمُ إذا أَخْرَجَ أَعْلَى من الوَاجِبِ فى الصِّفَةِ، مثل أن يُخْرِجَ السَّمِينَةَ مَكَانَ الهَزِيلَةِ، والصَّحِيحَةَ مكان المَرِيضَةِ، والكَرِيمَةَ عن (21) اللَّئِيمَةِ، والحَامِلَ عن الحَوَائِلِ، فإنَّها تُقْبَلُ منه
(17) فى ب: "من".
(18)
أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 5/ 142. وأبو داود، فى: باب فى زكاة السائمة، من كتاب الزَّكَاة. سنن أبى داود 1/ 365، 366.
(19)
فى الأصل، أ، م:"قدمها". والمثبت فى: ب، والمسند وسنن أبى داود.
(20)
فى م: "أجزل".
(21)
فى ا، ب، م:"مكان".