الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ
وهى وَاجِبَةٌ بِالكِتابِ، والسُّنَّةِ، والإِجْماعِ. أمَّا الكِتابُ، فقولُه تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (24). [والآيةُ الأُخْرَى](25). ولا يُتَوَعَّدُ بهذه العُقُوبَةِ إلَّا على تَرْكِ وَاجِبٍ. وأمَّا السُّنَّةُ، فما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ ولَا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّها، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِن نَارٍ، فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُه وَجَبْهَتُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ عَلَيْهِ، فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يَقْضِىَ اللهُ بَيْنَ الْعِبَادِ". أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (26). ورَوَى البُخَارِيُّ وغيرُه (27)، في كِتابِ أَنَسٍ:"وفى الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ، فإنْ لَم يَكُنْ إلا تِسْعِينَ ومِائَةً، فلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، إلَّا أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا". والرِّقَةُ: هى الدَّرَاهِمُ المَضْرُوبَةُ. وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ". مُتَّفَقٌ عليه (28). وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ في مائتَىْ
(24) سورة التوبة 34.
(25)
في م: "الآية".
ولعله يعنى الآية الأخرى التالية للسابقة، وهى قوله تعالى:{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .
(26)
في: باب إثم مانع الزكاة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 680.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في حقوق المال، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 385. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 262، 276.
(27)
تقدم تخريجه في صفحة 10.
(28)
تقدم تخريجه في صفحة 12.
دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وعلى أنَّ الذَّهَبَ إذا كان عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وقِيمَتُه مائتَا دِرْهَمٍ، أنَّ الزكاةَ تَجِبُ فيه، إلَّا ما اخْتُلِفَ فيه عن الحسنِ.
446 -
مسألة؛ قال أبو القاسِمِ: (ولَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ [الْمِائَتَىْ دِرْهَمٍ] (1)، إلَّا أنْ يَكُونَ فِى مِلْكِهِ ذَهَبٌ أوْ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ، فَيتِمُّ بِهِ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ نِصابَ الفِضَّةِ مِائتا دِرْهَمٍ، لا خِلافَ في ذلك بين عُلَماءِ الإِسلامِ، وقد بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ التى رَوَيْناها بِحَمْدِ اللهِ، والدَّرَاهِمُ التى يُعْتَبَرُ بها النِّصابُ هى الدَّرَاهِمُ التى كلُّ عَشَرَةٍ منها وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ بمِثْقَالِ الذَّهَبِ، وكُلُّ دِرْهَمٍ نِصْفُ مِثْقَالٍ وخُمْسُه، وهى الدَّرَاهِمُ الإِسلامِيَّةُ التى تُقَدَّرُ بها نُصُبُ الزكاةِ، ومِقْدَارُ الجِزْيَةِ، والدِّيَاتُ، ونِصابُ القَطْعِ في السَّرِقَةِ، وغيرُ ذلك، وكانت الدَّرَاهِمُ في صَدْرِ الإِسلامِ صِنْفَيْنِ، سُودًا، وطَبَرِيَّةً، وكانت السُّودُ ثَمانِيَةَ دَوَانِيقَ، والطَبَرِيَّةُ أرْبَعَةَ دَوَانِيقَ، فَجُمِعَا في الإِسلامِ، وجُعِلَا دِرْهَمَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، في كلِّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، فَعَلَ ذلك بنو أُمَيَّةَ، فاجْتَمَعَتْ فيها (2) ثلاثةُ أوْجُهٍ: أحَدُها، أنَّ كُلَّ عَشَرَةٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ. والثاني، أَنَّه عَدْلٌ بين الصَّغِيرِ والكَبِيرِ. والثالث، أنَّه مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ودِرْهَمِهِ الذى قَدَّرَ به المَقَادِيرَ الشَّرْعِيَّةَ. ولا فَرْقَ في ذلك بين التِّبْرِ والمَضْرُوبِ. ومتى نَقَصَ النِّصابُ عن ذلك فلا زكاةَ فيه، سَوَاءٌ كان النَّقْصُ (3) كثيرًا أو يَسِيرًا. هذا ظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، ومذهبُ الشَّافِعِيِّ، وإسحاقَ، وابْنِ المُنْذِرِ، لِظاهِرِ قَوْلِه عليه السلام:"لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ"(4). والأُوقِيَّةُ أرْبَعُونَ دِرْهَمًا. بغير خِلافٍ، فيكون ذلك مائتَىْ دِرْهَمٍ.
(1) في م: "المائتين".
(2)
في الأصل، ب:"فيه".
(3)
سقط من: م.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 12.
وقال غيرُ الخِرَقِيِّ من أصْحَابِنَا: إن كانْ النَّقْصُ يَسِيرًا، كالحَبَّةِ والحَبَّتَيْنِ، وَجَبَتِ الزكاةُ؛ لأنَّه لا يُضْبَطُ غَالِبًا، فهو كنَقْصِ الحَوْلِ ساعَةً أو ساعَتَيْنِ، وإن كان نَقْصًا بَيِّنًا، كالدَّانَقِ (5) والدَّانَقَيْنِ، فلا زكاةَ فيه. وعن أحمدَ، أن نِصابَ الذَّهَبِ إذا نَقَصَ ثُلُثَ مِثْقَالَ زَكَّاهُ. وهو قولُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ، وسُفْيَانَ. وإن نَقَصَ نِصْفًا لا زَكاةَ فيه. وقال أحمدُ، في مَوْضِعٍ آخَرَ: إذا (6) نَقصَ ثُمْنًا لا زَكَاةَ فيه. اخْتَارَهُ أبو بكرٍ. وقال مالِكٌ: إذا نَقَصَتْ نَقْصًا يَسِيرًا يجوزُ جَوَازَ الوَازِنَةِ، وَجَبَتِ الزكاةُ، لأنَّها تجُوزَ جَوَازَ الوَازِنَةِ، أشْبَهَتِ الوَازِنَةَ. والأوَّلُ ظَاهِرُ الخَبَرِ، فيَنْبَغِى أن لا يُعْدَلَ عنه. فأمَّا قَوْلُه:"إلَّا أن يَكُونَ في مِلْكِه ذَهَبٌ أو عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ فيُتِمُّ به". فإنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ تُضَمُّ إلى كل وَاحِدٍ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ويكْمُلُ به نِصَابُه. لا نَعْلَمُ فيه اخْتِلافًا. قال الخَطَّابِيُّ: لا أعْلَمُ عَامَّتَهم اخْتَلَفُوا فيه؛ وذلك (7) لأنَّ الزكاةَ إنَّما تَجِبُ في قِيمَتِها، فتُقَوَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ منهما، فتُضَمُّ إلى كلِّ وَاحِدٍ منهما. ولو كان له ذَهَبٌ وفِضَّةٌ وعُرُوضٌ، وَجَبَ ضَمُّ الجَمِيعِ بَعْضِه إلى بَعْضٍ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ؛ لأنَّ العُرُوضَ (8) مَضْمُومٌ إلى كُلِّ وَاحِدٍ منهما، فيَجِبُ ضَمُّهما إليه، وجَمْعُ الثَّلَاثَةِ. فأمَّا إنْ كان له مِن كُلِّ وَاحِدٍ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ ما لا يَبْلُغُ نِصَابًا بِمُفْرَدِه، أو كان له نِصَابٌ من أحَدِهما وأقَلُّ من نِصابٍ من الآخَرِ، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ عن ضَمِّ أحَدِهما إلى الآخَرِ، في روَايَةِ الأثْرَمِ وجَمَاعَةٍ، وقَطَعَ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، أنَّه لا زَكَاةَ عليه حتى يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ منهما نِصَابًا. وذَكَرَ الخِرَقِيُّ فيه رِوَايَتَيْنِ في البَابِ قَبْلَه، إحْدَاهُما لا يُضَمُّ. وهو قولُ ابْنِ أبى لَيْلَى، والحسنِ بنِ صَالِحٍ، وشَرِيكٍ، والشَّافِعِيِّ، وأبي عُبَيْدٍ، وأبى ثَوْرٍ. واخْتَارَه أبو بكرٍ عبدُ العزيزِ؛
(5) الدانق: سدس الدرهم.
(6)
في م: "إن".
(7)
سقط من: الأصل.
(8)
في الأصل، ب:"العرض".
لِقَوْلِه عليه السلام: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ"(9). ولأنَّهما مالَانِ يَخْتَلِفُ نِصابُهما، فلا يُضَمُّ أحَدُهما إلى الآخَرِ، كأجْنَاسِ الماشِيَةِ. والثانية، يُضَمُّ أحَدُهما إلى الآخَر في تَكْمِيلِ النِّصابِ. وهو قولُ الحسنِ، وقَتَادَةَ، ومالِكٍ، والأوْزَاعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ أحَدَهما يُضَمُّ إلى ما يُضَمُّ إليه الآخَرُ، فَيُضَمُّ إلى الآخَرِ. كأنْوَاعِ الجِنْسِ، ولأنَّ نَفْعَهما واحِدٌ، [والمقصودُ منهما مُتَّحِدٌ](10)، فإنَّهما قِيَمُ المُتْلَفَاتِ، وأُرُوشُ الجِنَايَاتِ، وأَثْمَانُ البِياعاتِ، وحَلْيٌ لمن يُرِيدُهما لذلك، فأشْبَها (11) النَّوْعَيْنِ، والحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ، فَنَقِيسُ عليه. فإذا قُلْنَا بالضَّمِّ، فإنَّ أحَدَهما يُضَمُّ إلى الآخَر بالأجْزاءِ، يَعْنِى أنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما يُحْتَسَبُ من نِصابِه، فإذا كَمَلَتْ أجْزَاؤُهما نِصَابًا، وَجَبَتِ الزكَاةُ، مثل أن يكونَ عندَه نِصْفُ نِصابٍ من أحَدِهما، ونِصْفُ نِصابٍ أو أكْثَرُ من الآخَرِ، أو ثُلُثٌ منٍ أحَدِهما، وثُلُثَانِ أو أكْثَرُ من الآخَرِ. فلو مَلَكَ مائةَ دِرْهَمٍ وعَشَرَةَ دَنَانِيرَ، أو مائةً وخَمْسِينَ دِرْهَمًا وخَمْسَةَ دَنَانِيرَ، أو مائةً وعِشْرِينَ دِرْهَمًا وثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ، وَجَبَتِ الزكاةُ فيهما. وإن نَقَصَتْ أَجْزَاؤُهُما عن نِصابٍ فلا زَكاةَ فيهما. سُئِلَ أحمدُ، عن رَجُلٍ عنده ثَمانِيَةُ دَنانِيرَ ومائةُ دِرْهَمٍ؟ فقال: إنَّما قال مَن قال فيهما الزكاةُ، إذا كان عِنْدَه عَشَرَةُ دَنانِيرَ ومائةُ دِرْهَمٍ. وهذا قولُ مالِكٍ، وأبى يوسفَ، ومحمدٍ، والأوْزَاعِيِّ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما لا تُعْتَبَرُ قِيمَتُه في وُجُوبِ الزكاةِ إذا كان مُنْفَرِدًا، فلا تُعْتَبَرُ إذا كان عندَه (12) مَضْمومًا (13)،
(9) تقدم تخريجه في صفحة 12.
(10)
في م: "والأصول فيهما متحدة".
(11)
في ب، م:"فأشبه".
(12)
في م زيادة: "عنده عشرة دنانير".
(13)
في م: "مضمومة".