الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان يَسيرًا؛ لأنَّ الفَمَ في حُكْمِ الظَّاهِرِ، والأصْلُ حُصُولُ الفِطر بكلِّ وَاصِلٍ منه، لكن عُفِىَ عن الرِّيقِ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ منه، فما عَدَاهُ يَبْقَى على الأصْلِ، وإن ألْقَاهُ مِن فيهِ، وبَقِىَ فَمُه نَجِسًا، أو تَنَجَّسَ فَمُهُ بِشىءٍ من خَارِجٍ، فَابْتَلَعَ رِيقَه، فإن كان معه جُزْءٌ من المُنَجَّسِ أفْطَرَ بذلك الجُزْءِ، وإلَّا فلا.
فصل:
ولا يُفْطِرُ بِالمَضْمَضَةِ، بغيرِ خِلافٍ، سَوَاءٌ كان في الطَّهارَةِ أو غيرِها، وقد رُوِىَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّ عمرَ سَأَلَهُ عن القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" أرَأيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إنَاءٍ وأنْتَ صَائِمٌ؟ " قلت: لا بَأْسَ. قال: "فَمَهْ؟ "(30). ولأنَّ الفَمَ في حُكْمِ الظَّاهِرِ، فلا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بالوَاصِلِ إليه، كالأنْفِ والعَيْنِ. وإن تَمَضْمَضَ، أو اسْتَنْشَقَ في الطَّهَارَةِ، فسَبَقَ الماءُ إلى حَلْقِه من غيرِ قَصْدٍ ولا إسْرَافٍ، فلا شىءَ عليه. وبه قال الأوْزاعِيُّ، وإسحاقُ، والشَّافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْه. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ. وقال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ: يُفْطِرُ، لأنَّه أوْصَلَ الماءَ إلى جَوْفِه ذَاكرًا لِصَوْمِه، فأفْطَرَ، كما لو تَعَمَّدَ شُرْبَهُ. ولَنا، أنَّه وَصَلَ إلى حَلْقِه من غيرِ إسْرَافٍ ولا قَصْدٍ، فأشْبَه ما لو طارَتْ ذُبَابَةٌ إلى حَلْقِه، وبهذا فارَقَ المُتَعَمِّدَ. فأمَّا إن أسْرَفَ فزَادَ على الثَّلَاثِ، أو بَالَغَ في الاسْتِنْشَاقِ، فقد فَعَلَ مَكْرُوهًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلَقِيطِ بن صَبِرَةَ:"وبَالِغْ فى الاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أنْ تَكُونَ صَائِمًا"(31). حديثٌ صَحِيحٌ. ولأنَّه يَتَعَرَّضُ بذلك لإيصالِ الماءِ إلى حَلْقِه، فإن وَصَلَ إلى حَلْقِه. فقال أحمدُ: يُعْجِبُنِى أن يُعِيدَ الصَّوْمَ. وهل يُفْطِرُ بذلك؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، يُفْطِرُ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى
(30) أخرجه أبو داود، في: باب القبلة للصائم، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 556. والدارمي، في: باب الرخصة في القبلة للصائم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 13. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 21.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فمه". أى: فماذا. للاستفهام، فأبدل الألف هاء للوقف والسكت.
(31)
تقدم تخريجه في 1/ 147.