الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال مَالِكٌ: إن أنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُه؛ لأنَّه أنْزَلَ بالنَّظَرِ، أشْبَه ما لو كَرَّرَهُ. ولَنا، أن النَّظْرَةَ الأُولَى لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منها، فلا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ما أفْضَتْ إليه، كالفِكْرَةِ، وعليه يُخَرَّجُ التَّكْرَارُ، فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ تَكْرَارَ النَّظَرِ مَكْرُوهٌ لمن يُحَرِّكُ شَهْوَتَه، غيرُ مَكْرُوهٍ لمن لا يُحَرِّكُ شَهْوَتَه، كالقُبْلَةِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُكْرَهَ بحالٍ؛ لأنَّ إفْضَاءَهُ إلى الإنْزَالِ المُفْطِرِ بَعِيدٌ جِدًّا، بِخِلافِ القُبْلَةِ، فإنَّ حُصُولَ المَذْيِ بها ليس بِبَعِيدٍ.
فصل:
فإن فَكَّرَ فأنْزَلَ، لم يَفْسُدْ صَوْمُه. وحُكِىَ عن أبي حفصٍ البَرْمَكِيِّ، أنَّه يَفْسُدُ. واخْتارَهُ ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّ الفِكْرَةَ تُسْتَحْضَرُ، فتَدْخُلُ تحت الاخْتِيارِ، بِدَليلِ تَأْثِيمِ صَاحِبِها في مُساكَنَتِها (57)، في بِدْعَةٍ وكُفْرٍ، ومَدَحَ اللهُ سُبْحَانَه الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماوَاتِ والأرْضِ، ونَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن التَّفَكُّرِ في ذَاتِ اللهِ، وأمَرَ (58) بالتَّفَكُّرِ في آلائِه، ولو كانت غيرَ مَقْدُورٍ عليها لم يَتَعَلَّقْ ذلك بها، كالاحْتِلَامِ. فأمَّا إن خَطَرَ بِقَلْبِه صُورَةُ الفِعْلِ، فأنْزَلَ، لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ؛ لأنَّ الخَاطِرَ لا يمكن دَفْعُه. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الْخَطَأِ والنِّسْيَانِ، ومَا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أو تَتَكَلَّمْ"(59). ولأنَّه لا نَصَّ في الفِطْرِ به ولا إجْمَاعَ، ولا يُمْكِنُ قِيَاسُه على المُباشَرَةِ، ولا تَكْرَارِ النَّظَرِ، لأنَّه دُونَهما في اسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ، وإفْضَائِه إلى الإنْزَالِ، ويُخالِفُهما في التَّحْرِيمِ إذا تَعَلَّقَ ذلك بأجْنَبِيَّةٍ، أو الكَرَاهَةِ إنْ كان في زَوْجَةٍ، فيَبْقَى على الأصْلِ.
الفصل السادس:
أن المُفْسِدَ لِلصَّوْمِ من هذا كُلِّه ما كان عن عَمْدٍ وقَصْدٍ، فأمَّا ما حَصَلَ منه عن غيرِ قَصْدٍ، كالغُبارِ الذى يَدْخُلُ حَلْقَه من الطَّرِيقِ، ونَخْلِ
(57) في أ، ب، م:"مساكنها".
(58)
في الأصل، أ:"وأمره".
(59)
تقدم تخريجه في 1/ 146.