الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَرْضَ بِصِفَةِ المالِ، فيأخُذُ من الكِرامِ كَرَائِمَ، ومن غيرِها من وَسَطِها، فلا يكونُ خَبِيثًا، لأنَّ الأدْنَى ليس بِخَبِيثٍ، وكذلك لو لم يُوجَدْ إلَّا سَبَبُ وُجُوبِه وَجَبَ إخْرَاجُه، وقِياسُهم يَبْطُلُ بِشَاةِ الجُبْرَانِ، وقِياسُنا أَوْلَى منه؛ لأنَّ قِياسَ الزكاةِ على الزكاةِ أوْلَى مِن قِياسِها على الدِّيَاتِ. إذا ثَبَتَ هذا فكانَ أحَدُ الفَرْضَيْنِ فى مَالِه دُونَ الآخَرِ، فهو مُخَيَّرٌ بين إخْرَاجِه أو شِرَاء الآخَرِ، ولا يَتَعَيَّنُ عليه (21) إخْرَاجُ المَوْجُودِ؛ لأنَّ الزكاةَ لا تَجِبُ فى (22) عَيْنِ المالِ. وقال القاضى: يَتَعَيَّنُ عليه إخْرَاج المَوْجُودِ (23). ولعلَّه أرادَ إذا لم يَقْدِرْ على شِرَاءِ الآخَرِ.
فصل:
فإن أرادَ إخْرَاجَ الفَرْضِ من النَّوْعَيْنِ، نَظَرْنَا؛ فإن لم يَحْتَجْ إلى تَشْقِيصٍ، كرَجُلٍ عنده أَرْبَعُمائةٍ يُخْرِجُ عنها (24) أَرْبَعَ حِقاقٍ وخَمْسَ بَناتِ لَبُونٍ، جازَ، وإن احْتَاجَ إلى تَشْقِيصٍ، كزَكاةِ المائَتَيْنِ، لَم يَجُزْ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه ذلك إلَّا بالتَّشْقِيصِ. وقيل: يَحْتَمِلُ أن يجوزَ، على قِيَاسِ قولِ أَصْحَابِنَا: ويجوزُ أن يُعْتِقَ نِصْفَىْ عَبْدَيْنِ فى الكَفَّارَةِ. وهذا غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بالتَّشْقِيصِ فى زكاةِ السَّائِمةِ إلَّا من حَاجَةٍ، ولذلك جَعَلَ لها أَوْقاصًا، دَفْعًا لِلتَّشْقِيصِ عن الوَاجِبِ فيها، وعَدَلَ فى ما (25) دُونَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ من الإِبِلِ عن إيجَابِ الإِبِلِ إلى إيجَابِ الغَنَمِ، فلا يجوزُ القَوْلُ بِتَجْوِيزِه مع إمْكَانِ العُدُولِ عنه إلى إيجَابِ فَرِيضَةٍ كامِلَةٍ. وإن وَجَدَ أحَدَ الفَرْضَيْنِ كامِلًا والآخَرَ نَاقِصًا، لا يُمْكِنُه إخْرَاجُه إلَّا بِجُبْرَانٍ معه، مثل أن يَجِدَ فى المائتين خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ وثَلاثَ حِقَاقٍ، تَعَيَّنَ أَخْذُ الفَرِيضَةِ الكَامِلَةِ؛ لأنَّ الجُبْرَانَ بَدَلٌ يُشْتَرَطُ له عَدَمُ المُبْدَلِ. وإن كانتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتاجُ
(21) فى ا، م زيادة:"سوى".
(22)
فى ا، ب:"من".
(23)
فى م زيادة: "لأن الزكاة لا تجب فى عين المال".
(24)
فى م: "منها".
(25)
فى م: "فيها".
إلى جُبْرَانٍ، مثل أن يَجِدَ أَرْبَعَ بَناتِ لَبُونٍ وثَلاثَ حِقَاقٍ، فهو مُخَيَّرٌ أَيَّهما شاءَ أَخْرَجَ مع الجُبْرَانِ، إن شاءَ أخْرَجَ بَناتَ اللَّبُونِ وحِقَّةً وأخَذَ بالجُبْرَانِ، وإن شَاءَ أَخْرَجَ الحِقَاقَ وبِنْتَ اللَّبُونِ مع جُبْرَانِها. فإن قال: خُذُوا مِنِّى حِقَّةً وثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مع الجُبْرَانِ. لم يَجُزْ؛ لأنَّه يَعْدِلُ عن الفَرْضِ مع وُجُودِهِ إلى الجُبْرَانِ. ويَحْتَمِلُ الجوازَ؛ لأنَّه لابُدَّ مِن الجُبْرَانِ. وإن لم يُوجَدْ إلَّا حِقَّةٌ وأَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَدَّاهَا وأخَذَ الجُبْرَانَ، ولم يكنْ له دَفْعُ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ مع الجُبْرَانِ، فى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ. وإن كان الفَرْضان مَعْدُومَيْنِ، أو مَعِيبَيْنِ، فله العُدُولُ عنهما مع الجُبْرَانِ، فإن شاءَ أَخْرَجَ أرْبَعَ جَذَعاتٍ وأخَذَ ثَمَانِىَ شِيَاهٍ أو ثَمَانِينَ دِرْهَمًا، وإن شَاءَ دَفَعَ خَمْسَ بَناتِ مَخَاضٍ ومعها عَشْرُ شِيَاهٍ أو مائةُ دِرْهَمٍ. وإن أَحَبَّ أن [ينْتَقِلَ عن الحِقاقِ](26) إلى بِناتِ المَخَاضِ، أو عن بَنَاتِ اللَّبُونِ إلى الجِذاعِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الحِقَاقَ وبَناتَ الَلَّبُونِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهنَّ فى هذا المالِ، فلا يَصْعَدُ إلى الحِقاقِ بِجُبْرَانٍ، ولا يَنْزلُ إلى بَنَاتِ اللَّبُونِ بِجُبْرانٍ.
401 -
مسألة؛ قال: (ومَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ [حِقَّةٌ ولَيْسَتْ] (1) عِنْدَهُ، وعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ، أُخِذَتْ مِنْهُ ومَعَها شَاتَانِ أو عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْنَةُ لَبُونٍ، وليْسَتْ عِنْدَهُ، وعِنْدَهُ حِقَّةٌ، أُخِذَتْ مِنْهُ وأُعْطِىَ الجُبْرَانَ (2) شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا)
المذهبُ فى هذا أنَّه متى وَجَبَتْ عليه سِنٌّ وليستْ عندَه، فله أن يُخْرِجَ سِنًّا أعْلَى منها، ويَأْخُذَ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أو سِنًّا أَنْزَلَ منها ومعها شَاتَيْنِ (3) أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، إلَّا ابْنَةَ مَخَاضٍ ليس له أن يُخْرِجَ أنْزَلَ منها؛ لأنَّها أَدْنَى سِنٍّ تَجِبُ فى الزَّكَاةِ، أو جَذَعَة. فلا يُخْرِجُ أَعْلَى منها، إلَّا أن يَرضَى رَبُّ المالِ بإخْرَاجِهَا لا جُبْرَانَ معها، فَتُقْبَلَ منه. والاخْتِيَارُ فى الصُّعُودِ والنُّزُولِ، والشِّيَاهِ
(26) فى م: "ينقل عن الحقائق".
(1)
فى م: "وليس". وسقطت كلمة "حقة".
(2)
فى الأصل، ب:"الخير من".
(3)
فى الأصل: "شاتان" وما هنا على تقدير "أو يأخذ"، وهو المناسب لقوله:"أو عشرين" الآتى.
والدَّرَاهِم، إلى رَبِّ المالِ. وبهذا قال النَّخَعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وابْنُ المُنْذِرِ. واخْتَلَفَ فيه عن إسحاقَ. وقال الثَّوْرِىُّ: يُخْرِجُ شَاتَيْنِ أو عَشَرَةَ دَرَاهِم؛ لأنَّ الشَّاةَ فى الشَّرْعِ مُقَوَّمةٌ (4) بِخَمْسَة دَرَاهِمَ، بِدَلِيلِ أنَّ نِصَابَها أَرْبَعُونَ، ونِصَابَ الدَّرَاهِم مائَتانِ. وقال أصْحَابُ الرَّأْىِ: يَدْفَعُ قِيمَةَ ما وَجَبَ عليه، أو دُونَ السِّنِّ الوَاجِبَةِ وفَضْلَ ما بينهما دَرَاهِمَ. ولنَا، قَوْلُه عليه السلام، فى الحَدِيثِ الذى رَوَيْناهُ من طَرِيقِ البُخَارِىّ (5):"وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَه مِن الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، ولَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ، ويَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ، إنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، ومَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ، ولَيْسَتْ عِنْدَهُ، وعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فإنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ الجَذَعَةُ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أو شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ [عِنْدَهُ صَدَقَةُ] (6) الحِقَّةِ ولَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ، فَإنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، ويُعْطِى شَاتَيْنِ، أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، ومَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُه بِنْتَ لَبُونٍ، وعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ، ويُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أو شَاتَيْنِ، ومَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُه بِنْتَ لَبُونٍ، ولَيْسَتْ عِنْدَهُ، وعِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ ويُعْطِى مَعَها عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أو شَاتَيْنِ". وهذا نَصٌّ ثَابِتٌ صَحِيحٌ فلا (7) يُلْتَفَتُ إلى ما سِوَاهُ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه لا يجوزُ العُدُولُ إلى هذا الجُبْرَانِ مع وُجُودِ الأصْلِ؛ لأنَّه مَشْرُوطٌ فى الخَبَرِ بِعَدَمِ الأصْلِ، وإن أرَادَ أن يُخْرِجَ فى الجُبْرَانِ شَاةً، وعَشَرَةَ دَرَاهِم. فقال القاضى: لا يمْتَنِعُ (8) هذا، كما قُلْنَا فى الكَفّارَةِ، له (9)
(4) فى ا، م:"متقومة".
(5)
تقدم تخريجه فى صفحة 10
(6)
فى الأصل: "صدقته".
(7)
فى ا، م:"لم".
(8)
فى ا، م:"يمنع".
(9)
في أ، م:"فله".