الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتَكْرَهُوا أحَدًا على صَدَقَةِ الصَّامِتِ، ولا طَالَبُوهُ بها، إلَّا أن يَأْتِىَ بها طَوْعًا، ولأنَّ السُّعَاةَ يَأْخُذُونَ زَكَاةَ ما يَجِدُونَ، ولا يَسْأَلُونَ عَمَّا على صَاحِبهَا من الدَّيْنِ، فدَلَّ على أنَّه لا يَمْنَعُ زَكَاتَها، ولأنَّ تَعَلُّقَ أَطْمَاعِ الفُقَرَاءِ بها أكْثَرُ، والحَاجَةَ إلى حِفْظِهَا أوْفَرُ، فتكونُ الزكاةُ فيها أوْكَدَ.
فصل:
وإنَّما يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزكاةَ، إذا كان يَسْتَغْرِقُ النِّصابَ أو يَنْقُصُهُ، ولا يَجِدُ ما يَقْضِيهِ به سِوَى النِّصابِ، أو ما لا يُسْتَغْنَى عنه، مثل أنْ يكونَ له عِشْرُونَ مِثْقَالًا، وعليه مِثْقَالٌ أو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ، ممَّا يَنْقُصُ به النِّصابُ إذا قَضَاهُ به، ولا يَجِدُ قَضاءً له من غيرِ النِّصابِ، فإن كان له ثلاثُونَ مِثْقَالًا، وعليه عَشَرَةٌ، فعليه زَكَاةُ العِشْرِينَ. وإن كان عليه أكْثَرُ من عَشَرَةٍ، فلا زَكَاةَ عليه. وإن كان عليه خَمْسَةٌ، فعليه زَكَاةُ خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ. ولو أنَّ له مائةً من الغَنَمِ، وعليه ما يُقَابِلُ سِتِّينَ، فعليه زَكاةُ الأَرْبَعِينَ. فإن كان عليه ما يُقَابِلُ إحْدَى وسِتِّينَ، فلا زَكَاةَ عليه؛ لأنَّه يَنْقُصُ النِّصابَ، وإن كان له مالانِ من جِنْسَيْنِ، وعليه دَيْنٌ جَعَلَهُ فى مُقَابَلَةِ ما يَقْضِى منه، فلو كان عليه (15) خَمْسٌ من الإِبِلِ [وله خَمْسٌ من الإِبلِ](16) ومائتَا دِرْهَمٍ، فإن كانت عليه سَلَمًا أو دِيَةً، ونحوَ ذلك ممَّا يُقْضَى بالإِبِلِ، جَعَلْتَ الدَّيْنَ فى مُقَابَلَتِهَا، ووَجَبَتْ عليه زَكَاةُ الدَّرَاهِمِ. وإن كان أتْلَفها أَو غَصَبَها، جَعَلْتَ قِيمَتَها فى مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لأنَّها تُقْضَى منها. وإن كانت قَرْضًا، خُرِّجَ على الوَجْهَيْنِ فيما يُقْضَى منه، فإنَّ كانَتْ، إذا جَعَلْنَاهَا فى مُقابَلَةِ أحَدِ المالَيْنِ، فَضَلَتْ منها فَضْلَةٌ تَنْقُصُ النِّصابَ الآخَرَ، وإذا جَعَلْنَاها فى مُقَابَلَةِ الآخَرِ، لم يَفْضُلْ منها شىءٌ، كرَجُلٍ له خَمْسٌ من الإِبِلِ ومائتَا دِرْهَمٍ، وعليه سِتٌّ من الإِبِلِ قِيمَتُها مائتَا دِرْهَمٍ، إذا (17) جَعَلْنَاهَا في مُقَابَلَةِ المائتَيْنِ لم يَفْضُلْ من الدَّيْنِ شىءٌ، نَقَصَ نِصابَ السَّائِمَةِ، وإن (18) جَعَلْنَاهَا فى مُقَابَلَةِ الإِبِلِ فَضَلَ منها بَعِيرٌ، يَنْقُصُ نِصابَ
(15) فى م: "له".
(16)
سقط من: أ، م.
(17)
فى م: "وإذا".
(18)
فى م: "وإذا".
الدَّرَاهِمِ، أو كانت بالعَكْسِ، مثل أن يكونَ عليه مائتَانِ وخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وله من الإِبِلِ خَمْسٌ أو أَكْثَرُ تُسَاوِى الدَّيْنَ، أو تَفْضُلُ عليه، جَعَلْنَا الدَّيْنَ فى مُقابَلَةِ الإِبِلِ هاهُنا، وفى مُقابَلَةِ الدَّراهِمِ فى الصُّورَةِ الأُولَى؛ لأنَّ له من المالِ ما يَقْضِى به الدَّيْنَ سِوَى النِّصابِ. وكذلك لو كان عليه مائةُ دِرْهَمٍ، وله مائتَا دِرْهَمٍ وتِسْعٌ من الإِبِلِ، فإذا جَعَلْنَاهَا فى مُقابَلَةِ الإِبِلِ لم يَنْقُصْ نِصَابُها، لِكَوْنِ الأرْبَعِ الزَّائِدَةِ عنه تُسَاوِى المائةَ أَكْثَرَ منها، وإن جَعَلْنَاهُ فى مُقابَلَةِ الدَّرَاهِمِ سَقَطَتِ الزكاةُ منها، فجَعَلْناها (19) فى مُقَابَلَةِ الإِبِلِ، كما ذَكَرْنَا فى التى قَبْلَها، ولأنَّ ذلك أحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ. وذَكَرَ القاضِى نحوَ هذا، فإنَّه (20) قال: إذا كان النِّصَابَانِ زَكَوِيَّيْنِ، جَعَلْتَ الدَّيْنَ فى مُقابَلَةِ ما الحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ فى جَعْلِه فى مُقَابَلَتِه، وإن كان من غيرِ جِنْسِ الدَّيْنِ. فإن كان أحَدُ المالَيْنِ لا زَكَاةَ فيه، والآخَرُ فيه الزكاةُ، كرَجُلٍ عليه مائتَا دِرْهَمٍ، وله مائتَا دِرْهَمٍ، وعُرُوضٌ لِلقُنْيَةِ تُسَاوِى مائتَيْنِ، فقال القاضى: يَجْعَلُ الدَّيْنَ فى مُقَابَلَةِ العُرُوضِ. وهذا مذهبُ مالِكٍ، وأبى عُبَيْدٍ. قال أصْحَابُ الشَّافِعِىِّ: وهو مُقْتَضَى قَوْلِه؛ لأنَّه مَالِكٌ لمائتَيْنِ زَائِدَة عن مَبْلَغِ دَيْنِه، فَوَجَبَتْ عليه زَكَاتُها، كما لو كان جَمِيعُ مَالِهِ جِنْسًا وَاحِدًا. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يجْعَلُ الدَّيْنَ فى مُقابَلَةِ ما يَقْضِى منه، فإنَّه قال فى رَجُلٍ عِنْدَهُ أَلْفٌ وعليه ألْفٌ وله عُرُوضٌ بِألْفٍ: إن كانتِ العُرُوضُ لِلتِّجارَةِ زَكَّاهَا، وإن كانَتْ لغيرِ التِّجارَةِ فليس عليه شىءٌ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ. ويُحْكَى عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ؛ لأنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى من جِنْسِه عند التَّشَاحِّ، فجعْلُ الدَّيْنِ فى مُقَابَلَتِه أَوْلَى، كما لو كان النِّصابَانِ زَكَوِيَّيْنِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يُحْمَلَ (21) كلامُ أحمدَ هاهُنا على ما إذا كان العَرْضُ تَتَعَلَّقُ به حاجَتُه الأصْلِيَّةُ، ولم يَكُنْ فاضِلًا عن حاجَتِه، فلا يَلْزَمُه صَرْفُه فى
(19) فى الأصل، ب:"جعلناه".
(20)
فى م: "فإن".
(21)
سقط من: الأصل.