الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجْرِ". ولأنَّه لا تَجِبُ نَفَقَتهُ، فلا يُمْنَعُ دَفْعُ الزَّكاةِ إليه، كالأجْنَبِيِّ، ويُفَارِقُ الزَّوْجَةَ، فإنَّ نَفَقَتها وَاجِبَةٌ عليه، ولأنَّ الأصْلَ جَوَازُ الدَّفْعِ؛ لِدُخُولِ الزَّوْجِ في عُمُومِ الأصْنَافِ المُسَمَّينَ في الزَّكَاةِ، وليس في المَنْعِ نَصٌّ ولا إجْمَاعٌ، وقِيَاسُه علَى من ثَبَتَ المَنْعُ في حَقِّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِوُضُوحِ الفَرْقِ بينهما، فيَبْقَى جَوَازُ الدَّفْعِ ثابتًا، والاسْتِدْلَالُ بهذا أقوَى مِن الاسْتِدْلَالِ بالنُّصُوصِ، لِضَعْفِ دَلَالَتِها؛ فإنَّ الحَدِيثَ الأوَّلَ في صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، لِقَوْلِها: أرَدْتُ أن أتَصَدَّقَ بِحُلِيٍّ لِي. ولا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بالحُلِيِّ، وقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ من تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ". والوَلَدُ لا تُدْفَعُ إليه الزكاةُ. والحَدِيثُ الثَّانِي، ليس فيه ذِكْرُ الزَّوْجِ، وذِكْرُ الزَّكاةِ فيه غيرُ مَحْفُوظٍ. قال أحمدُ: مَن ذَكَرَ الزكاةَ فهو عِنْدِي غيرُ مَحْفُوظٍ، إنَّما ذاك صَدَقَةٌ من غيرِ الزكاةِ، كذا قال الأعْمَشُ، فأمَّا الحَدِيثُ الآخَرُ فهو مُرْسَلٌ، وهو في النَّذْرِ.
فصل:
فإن كان في عَائِلَتِه من لا يجبُ عليه الإنْفاقُ عليه كيَتِيمٍ أجْنَبِيٍّ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ أَنَّه لا يجوزُ له دَفْعُ زَكاتِه إليه؛ لأنَّه ينْتَفِعُ بِدَفْعِها إليه، لإغْنَائِه بها عن مُؤْنَتِهِ. والصَّحِيحُ، إن شاء اللهُ، جَوَازُ دَفْعِهَا إليه؛ لأنَّه داخِلٌ في أصْنافِ المُسْتَحِقِّينَ لِلزكاةِ، ولم يَرِدْ في مَنْعِهِ نَصٌّ ولا إجْماعٌ ولا قِياسٌ صَحِيحٌ، فلا يجوزُ إخْرَاجُه من عُمُومِ النَّصِّ بغيرِ دَلِيلٍ، وإن تَوَهَّمَ أنَّه يَنْتَفِعُ بِدَفْعِها إليه، قُلْنا: قد لا يَنْتَفِعُ به، فإنَّه يَصْرِفُها في مَصَالِحِه التي لا يَقُومُ بها الدَّافِعُ، وإن قَدَّرَ الانْتِفاعَ فإنَّه نَفْعٌ لا يَسْقُطُ به وَاجِبٌ عليه، ولا يُجْتَلَبُ به مَالٌ إليه، فلم يَمْنَعْ ذلك الدَّفْعَ، كما لو كان يَصِلُه تَبَرُّعًا من غيرِ أن يكونَ من عائِلَتِه.
فصل: وليسَ لِمُخْرِجِ الزكاةِ شِراؤها مِمَّنْ صارَتْ إليه. وَرُوِيَ ذلك عن الحسنِ، وهو قَوْلُ قَتَادَةَ، ومالِكٍ. قال أصْحابُ مَالِكٍ: فإن اشْتَرَاهَا لم يُنْقَضِ البَيْعُ. وقال الشَّافِعِيُّ وغيرُه: يجوزُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ،
إلا لِخَمْسَةٍ؛ رَجُلٍ ابْتَاعَهَا بِمَالِهِ" (4). ورَوَى سَعِيدٌ، في "سُنَنِه" أنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ على أُمِّهِ بِصَدَقَةٍ ثم مَاتَت، فسألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "قد قَبِلَ اللهُ صَدَقَتَكَ، ورَدَّهَا إليكَ المِيرَاثُ" (5). وهذا في مَعْنَى شِرَائِها. ولأنَّ ما صَحَّ أن يُمْلَكَ إرْثًا، صَحَّ أن يُمْلَكَ (6) ابْتِيَاعًا، كسَائِرِ الأمْوالِ. ولَنا، ما رَوَى عمرُ، أنَّه قال: حملْتُ على فَرَسٍ في سَبِيل اللهِ، فأضَاعَهُ الذي كان عِنْدَه، وظَنَنْتُ أَنَّه بائِعُه (7) بِرُخْصٍ، فأرَدْتُ أن أشْتَرِيَهُ، فسألْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تَبْتَعْهُ، ولا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ ولَوْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإنَّ الْعَائِدَ في صَدَقَتِه كالْكَلْبِ يَعُودُ في قَيْئِه". مُتَّفَقٌ عليه (8).
(4) يأتي الحديث بتمامه في أثناء مسألة 427.
وأخرجه أبو داود، في: باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 380. وابن ماجه، في: باب من تحل له الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 590. والإمام مالك، في: باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 268. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 56.
(5)
أخرج نحوه؛ مسلم، في: باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 805. وأبو داود، في: باب من تصدق بصدقة ثم ورثها، من كتاب الزكاة، وفي: باب ما جاء في الرجل يهب الهبة ثم يوصى له بها أو يرثها، من كتاب الوصايا، وفي: باب في قضاء النذر عن الميت، من كتاب الأيمان. سنن أبي داود 1/ 385، 2/ 105، 212. والترمذي، في: باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذي 3/ 173. والبيهقي، في: باب من قال يجوز الابتياع مع الكراهة. . .، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 151. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 349، 351، 359، 361.
(6)
في ب: "يملكه".
(7)
في أ، م:"باعه".
(8)
أخرجه البخاري، في: باب هل يشترى صدقته. . .، من كتاب الزكاة، وفي: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وباب إذا حمل رجل على فرس فهو كالعمرى والصدقة، من كتاب الهبة، وفي: باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت، من كتاب الوصايا، وفي: باب الجعائل والحملان في السبيل، وباب إذا حمل على فرس فرآها تباع، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري 2/ 157، 3/ 215، 218، 4/ 15، 64، 71. ومسلم، في: باب كراهية شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1239، 1240. كما أخرجه أبو داود، في: باب الرجل يبتاع صدقته، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 369. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة، من أبواب=
فإن قِيلَ: يحتمِلُ أنَّها كانت حَبِيسًا (9) في سَبِيلِ اللهِ فَمَنَعَهُ لذلك. قُلْنا: لو كانت حَبِيسًا (9) لَما بَاعَها الذي (10) هي (11) في يَدهِ، ولا هَمَّ عمرُ بِشِرَائِها، بل كان يُنْكِرُ على البَائِعِ ويَمْنَعُه، فإنَّه لم يكنْ يُقِرُّ على مُنْكَرٍ، فكيف يَفْعَلُه، ويُعِينُ عليه. ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ما أنكَرَ بَيْعَها، إنَّما أنْكَرَ على عمرَ الشِّرَاءَ، مُعَلِّلًا بِكَوْنِه عَائِدًا في الصَّدَقَةِ. الثاني، أنَّنا نَحْتَجُّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى خُصُوصِ السَّبَبِ، فإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ" أي بالشِّرَاءِ "فَإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتِه كالعَائِدِ في قَيْئِه". والأخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِن التَّمَسُّكِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. فإنْ قِيلَ: فإن اللَّفْظَ لا يَتَنَاوَلُ الشِّرَاءَ، فإنَّ العَوْدَ في الصَّدَقَةِ ارْتِجاعُها (12) بغَيْرِ عِوَضٍ، وفَسْخٌ لِلْعَقْدِ، كالعَوْدِ في الهِبَةِ، والدَّلِيلُ على هذا قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"العَائِدُ في هِبَتِهِ كالعَائِدِ في قَيْئِه"(13). ولو وَهَبَ إنْسانًا شيئًا، ثم اشْتَرَاهُ منه، جازَ. قُلْنا: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذلك جَوَابًا لِعمرَ حين سَألَهُ عن شِراءِ الفَرَسِ، فلو لم يَكُنِ اللَّفْظُ
= الزكاة. عارضة الأحوذي 3/ 174. والنسائي، في: باب شراء الصدقة، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 82. وابن ماجه، في: باب الرجوع في الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 2/ 799. والإمام مالك، في: باب اشتراء الصدقة والعود فيها، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 282. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 25، 37، 40، 54، 2/ 7، 34، 55، 103.
(9)
في أ، ب، م:"حبسا".
(10)
في الأصل، أ، م:"للذي".
(11)
سقط من: الأصل، م.
(12)
في أ، ب، م:"استرجاعها".
(13)
أخرجه البخاري، في: باب هبة الرجل لامرأته، من كتاب الهبة، وفي: باب في الهبة والشفعة، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 3/ 207، 9/ 35. ومسلم، في: باب تحريم الرجوع في الصدقة
…
، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1241. وأبو داود، في: باب الرجوع في الهبة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 261. والنسائي، في: باب رجوع الوالد فيما يعطى ولده، وباب ذكر الاختلاف لخبر عبد اللَّه بن عباس فيه، وباب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته، من كتاب الهبة، وفي: باب ذكر الاختلاف على أبي الزبير، من كتاب الرقبى. المجتبى 6/ 222، 225، 227. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 217، 250، 280، 291، 327، 339، 342، 345، 2/ 182.