الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ولو عَزَلَ قَدْرَ الزكاةِ، يَنْوِي (39) أنَّه زَكَاةٌ، فتَلِفَ، فهو مِنْ (40) ضَمَانِ رَبِّ المالِ، ولا تَسْقُطُ الزكاةُ عنه بذلك، سَوَاءٌ قَدَرَ على أن يَدْفَعَها إليه أو لم يَقْدِرْ، والحُكْمُ فيه كالمَسْأَلَةِ التي قَبْلَها. اهـ.
439 - مسألة؛ قال: (ومَنْ رَهَنَ مَاشِيَةً، فحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، أدَّى مِنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُؤَدِّى عَنْهَا، والبْاقِي رَهْنٌ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه إذا رَهَنَ مَاشِيَةً، فحَالَ الحَوْلُ وهي في يَدِ المُرْتَهِنِ، وَجَبَتْ زكاتُها على الرَّاهِنِ؛ لأنَّ مِلْكَه فيها تَامٌّ، فإن أمْكَنَهُ أداؤُها مِن غيرِها، وَجَبَتْ؛ لأنَّ الزكاةَ من مُؤْنَةِ الرَّهْنِ، ومُؤْنَةُ الرَّهْنِ تَلْزَمُ الرَّاهِنَ، كَنَفَقَةِ النِّصابِ، ولا يُخْرِجُها من النِّصابِ، لأنَّ حَقَّ المُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ به تَعَلُّقًا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ فيه، والزكاةُ لا يَتَعَيَّنُ إخْراجُها منه، فلم يَمْلِكْ إخْراجَها منه كزكاةِ مَالِ (1) سِوَاهُ، وإن لم يَكُنْ له ما يُؤَدِّى منه سِوَى هذا الرَّهْنِ، فلا يَخْلُو مِن أنْ يكونَ له مالٌ يُمْكِنُ قَضَاءُ الدَّيْنِ منه، ويَبْقَى بعد قَضائه نِصَابٌ كامِلٌ، مثل أن تكونَ الماشِيَةُ زَائِدَةٌ على النِّصابِ قَدْرًا يُمْكِنُ قَضَاءُ الدَّيْنِ منه، ويَبْقَى النِّصَابُ، فإنَّه يُخْرِجُ الزكاةَ من الماشِيَةِ، ويُقَدِّمُ حَقَّ الزكاةِ على حَقِّ المُرْتَهِنِ، لأنَّ المُرْتَهِنَ يَرْجِعُ إلى بَدَلٍ، وهو اسْتِيفاءُ الدَّيْنِ، وحُقُوقُ الفُقَرَاءِ في الزكاةِ لا بَدَلَ لها. وإن لم يَكُنْ له مالٌ يَقْضِى به الدَّيْنَ، ويَبْقَى بعد قَضائِه نِصَابٌ، ففيه رِوَايتانِ: إحْدَاهما، تَجِبُ الزكاةُ أيضا. ولا يَمْنَعُ [الدَّينُ وُجُوبَ](2) الزكاةِ في الأمْوالِ الظَّاهِرَةِ، وهي المَوَاشِي والحُبُوبُ. قالَه في رِوَايَةِ الأثْرَمِ. قال (3): لأنَّ المُصَدِّقَ لو جاءَ فوَجَدَ إبِلًا وغَنَمًا، لم يَسْألْ
(39) في أ، م:"فنوى".
(40)
في أ، ب، م:"في".
(1)
في ب زيادة: "ما".
(2)
في م: "وجوب الدين".
(3)
سقط من: الأصل.
صَاحِبَها أيَّ شىءٍ عليك من الدَّيْنِ، ولكِنَّه يُزَكِّيها، والمالُ ليس كذلك، وهذا ظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ هاهُنا؛ لأنَّ كلامَه عَامٌّ في كلِّ مَاشِيَةٍ، وذلك لأنَّ وُجُوبَ الزكاةِ في الأمْوَالِ الظَّاهِرَةِ آكَدُ؛ لِظُهُورِها، وتَعَلُّقِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ بها، لِرُؤْيَتِهم. إيَّاهَا، ولأنَّ الحاجَةَ إلى حِفْظِهَا أشَدُّ، ولأنَّ السَّاعِيَ يَتَوَلَّى أخْذَ الزكاةِ منها ولا يَسْأَلُ عن دَيْنِ صاحِبِها. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ؛ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها. ويَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الزكاةِ في الأمْوَالِ كُلِّها مِن الظَّاهِرَةِ والباطِنَةِ. قال ابْنُ أبي موسى: الصَّحِيحُ من مَذْهَبِه أنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكاةِ على كلِّ حَالٍ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ. وَرُوِيَ ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، ومَكْحُولٍ، والثَّوْرِيِّ. وحَكَى ذلك ابْنُ المُنْذِرِ عنهم في الزَّرْعِ إذا اسْتَدَانَ عليه صَاحِبُه؛ لأنَّه أحَدُ نَوْعَي الزكاةِ، فيَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَها، كالنَّوْعِ الآخَرِ، ولأنَّ المَدِينَ مُحْتَاجٌ، والصَّدَقَةُ إنما تَجِبُ على الأغْنِياءِ، بقَوْلِه (4) عليه السلام:"أُمِرْتُ أن آخُذَ الصَّدَقَةَ من أَغْنِيَائِهِم، فأَرُدَّهَا في فُقَرَائِهِم"(5). وقَوْلِه عليه السلام: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"(6). ورَوَى أبو عُبَيْدٍ، في كتابِ "الأمْوَالِ"(7)، عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ، قال: سَمِعْتُ عثمانَ بنَ عَفَّانَ
(4) في م: "لقوله".
(5)
تقدم في 1/ 275. وانظر تخرج حديث معاذ المتقدم في صفحة 5.
(6)
أخرجه البخاري تعليقا، في: باب تأويل قول اللَّه تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، من كتاب الوصايا. صحيح البخاري 4/ 6. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 230. وأخرج نحوه؛ البخاري، في: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة، وفي: باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، من كتاب النفقات. صحيح البخاري 2/ 139، 7/ 81. ومسلم، في: باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى. . . إلخ، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 717. وأبو داود، في: باب الرجل يخرج من ماله، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 389، 390. والنسائي، في: باب الصدقة عن ظهر غنى، وباب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 46، 52. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 245، 278، 394، 402، 434، 435، 476، 480، 501، 524، 527.
(7)
الأموال 437. كما أخرجه الإمام مالك، في: باب الزكاة في الدين، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 253. والبيهقي، في: باب الدين مع الصدقة، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 184. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يكون عليه الدين من قال لا يزكيه، من كتاب الزكاة. المصنف 3/ 194. وعبد الرزاق، في: باب لا زكاة إلا في فصل، من كتاب الزكاة. المصنف 4/ 92، 93.