الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِحُكْمِها، بخِلافِ ما قَبْلَها، فإنَّها لم تُوجَدْ حُكْمًا، ولا حَقِيقَةً، ولهذا لو نَوَى الفَرْضَ من اللَّيْلِ، ونَسِيَهُ في النَّهارِ، صَحَّ صَوْمُه، ولو لم يَنْوِ من اللَّيْلِ، لم يَصِحَّ صَوْمُه. وأمَّا إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ والجَمَاعَةِ، فإنَّما مَعْناهُ أنَّه لا يَحْتاجُ إلى قَضاءِ رَكْعَةٍ، ويَنْوِى أنَّه مَأْمُومٌ، وليس هذا مُسْتَحِيلًا، أمَّا أن يكونَ ما صَلَّى الإِمامُ قَبْلَهُ من الرَّكَعَاتِ مَحْسُوبًا له، بحيثُ يُجْزِئُه عن فِعْلِه فكَلَّا، ولأنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ لِجَمِيعِ أرْكانِ الرَّكْعَةِ، لأنَّ القِيامَ وُجِدَ حِينَ كَبَّرَ وَفَعَلَ سَائِرَ الأرْكانِ مع الإِمامِ. وأمَّا الصَّوْمُ فإنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ أو رُكْنٌ فيه، فلا يُتَصَوَّرُ وُجُودُه بدون شَرْطِه وَرُكْنِه. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّ من شَرْطِه أن لا يكونَ طَعِمَ قبل النِّيَّةِ، ولا فَعَلَ ما يُفْطِرُه، فإن فَعَلَ [شيئا مِن](18) ذلك، لم يُجْزِئْه الصِّيَامُ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ.
487 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ نَوَى مِنَ اللَّيْلِ، فأُغْمِىَ عَلَيْهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ ذلِكَ اليَوْمِ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه مَتَى أُغْمِىَ عليه جميعَ النَّهارِ، فلم يُفِقْ في شىءٍ منه، لم يَصِحَّ صَوْمُهُ، في قَوْلِ إمامِنَا، والشَّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ؛ لأنَّ النِّيَّةَ قَد صَحَّتْ، وزَوَالُ الاسْتِشْعَارِ بعدَ ذلك لا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ، كالنَّوْمِ. ولَنا، أنَّ الصَّوْمَ هو الإِمْساكُ مع النِّيَّةِ. قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ، فَإنَّهُ لِى، وأنَا أَجْزِى بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِى" مُتَّفَقٌ عليه (1). فأضافَ تَرْكَ الطَّعامِ والشَّرابِ إليه، وإذا كان مُغْمًى عليه، فلا يُضافُ
(18) سقط من: الأصل.
(1)
أخرجه البخاري، في: باب فضل الصوم، من كتاب الصوم. وفي: باب قول اللَّه تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام اللَّه، من كتاب التوحيد. وفي: باب ما يذكر في المسك، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 3/ 31، 7/ 211، 9/ 175. ومسلم، في: باب فضل الصيام، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 806، 807.
كما أخرجه النسائي، في: باب فضل الصيام، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 132 - 136. وابن ماجه، في: باب ما جاء في فضل الصيام، كتاب الصيام. وفي: باب فضل العمل، من كتاب الأدب. =
الإِمْسَاكُ إليه، فلم يُجْزِئْهُ. ولأنَّ النِّيَّةَ أَحَدُ رُكْنَىِ الصَّوْمِ، فلا تُجْزِئُ وَحْدَها، كالإِمْساكِ وَحْدَه، أمَّا النَّوْمُ فإنَّه عادَةٌ، ولا يُزِيلُ الإِحْسَاسَ بالكُلِّيَّةِ، ومتى نُبِّهَ انْتَبَهَ، والإِغْماءُ عارِضٌ يُزِيلُ العَقْلَ، فأشْبَهَ الجُنُونَ. إذا ثَبَتَ هذا، فزَوَالُ العَقْلِ يَحْصُلُ بِثلاثةِ أشْياء؛ أحدُها، الإِغْماءُ وقد ذَكَرْنَاهُ، ومتى فَسَدَ الصَّوْمُ به فعلَى المُغْمَى عليه القَضَاءُ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لأنَّ مُدَّتَه لا تَتَطَاوَلُ غَالِبًا، ولا تَثْبُتُ الوِلَايَةُ على صَاحِبهِ، فلم يَزُل به التَّكْلِيفُ وقَضاءُ العِبَاداتِ، كالنَّوْمِ، ومتَى أفَاقَ المُغْمَى عليه في جُزْءٍ من النَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهُ، سواءٌ كان في أَوَّلِه أو آخِرِه. وقال الشَّافِعِىُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: تُعْتَبَرُ الإِفاقَةُ في أَوَّلِ النَّهارِ، لِيَحْصُلَ حُكْمُ النِّيَّة في أوَّلِه. ولَنا، أنَّ الإِفَاقَةَ حَصَلَتْ في جُزْءٍ من النَّهارِ، فأجْزَأَ، كما لو وُجِدَتْ في أوَّلِه، وما ذَكَرُوهُ لا يَصِحُّ؛ فإنَّ النِّيَّةَ قد حَصَلَتْ من اللَّيْلِ، فيُسْتَغْنَى عن ذِكْرِهَا في النَّهارِ، كما لو نامَ أو غَفَلَ عن الصَّوْمِ، ولو كانت النِّيَّةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بالإِفاقَةِ في النَّهارِ، لَما صَحَّ منه صَوْمُ الفَرْضِ بالإِفاقَةِ، لأنَّه لا يُجْزِئُ بِنِيَّةٍ من النَّهارِ. الثاني، النَّوْمُ، فلا يُؤَثِّرُ في الصَّوْمِ، سَواءٌ وُجِدَ في جميع النَّهارِ أو بعضِه. الثالث، الجُنُونُ، فَحُكْمُه حُكْمُ الإِغْمَاءِ، إلَّا أنَّه إذا وُجِدَ في جَمِيعِ النَّهارِ، لم يَجِبْ قَضاؤُهُ. وقال أبو حنيفةَ: متى أفاقَ المَجْنُونُ في جُزْءٍ من رمضان، لَزِمَهُ قَضاءُ ما مَضَى منه؛ لأنَّه أدْرَكَ جُزْءًا مِن رمضانَ وهو عَاقِلٌ، فلَزِمَهُ صِيامُه، كما لو أفاقَ في جُزْءٍ من اليَوْمِ. وقال الشَّافِعِيُّ: إذا وُجِدَ الجُنُونُ في جُزْءٍ من النَّهارِ أفْسَدَ الصَّوْمَ؛ لأنَّه مَعْنًى يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ، فأفْسَدَهُ وُجُودُه في بَعْضِه، كالحيضِ. ولَنا، أنَّه مَعْنًى
= سنن ابن ماجه 1/ 525، 2/ 1256. والدارمى، في: باب في فضل الصوم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 24، 25. والإمام مالك، في: باب جامع الصيام، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 310. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 446، 2/ 232، 234، 257، 266، 273، 281، 313، 393، 395، 411، 414، 443، 457، 458، 465، 467، 477، 480، 503، 504، 516، 3/ 5، 40.