الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُصَلِّى فَرْضًا أو تَطَوُّعًا. وإن قال: هذا زَكَاةُ مَالِى الغَائِبِ إن كان سَالِمًا وإلَّا فهو زَكاةٌ لِمَالِى (5) الحاضِرِ. أجْزَأهُ عن السَّالِم منهما. وإن كانَا سَالِمَيْنِ فعن أحَدِهما، لأنَّ التَّعْيِينَ ليس بِشَرْطٍ. وإن قال: زَكاةُ مَالِى الغَائِبِ. وأطْلَقَ، فبانَ تَالِفًا، لم يَكُنْ له أن يَصْرِفَهُ إلى زَكَاةِ غيرِه؛ لأنَّه عَيَّنَهُ، فأشْبَهَ ما لو أعْتَقَ عَبْدًا عن كَفَّارَةٍ عَيَّنَهَا فلم يَقَعْ عنها، لم يَكُنْ له صَرْفُه إلى كَفَّارَةٍ أُخْرَى. هذا التَّفْرِيعُ فيما إذا كانَتِ الغَيْبَةُ (6) ممَّا لا يَمْنَعُ إخْرَاجَ زَكَاتِه فى بَلَدِ رَبِّ المَالِ؛ إمَّا لِقُرْبِه، أو لِكَوْنِ البَلَدِ لا يُوجَدُ فيه أهلُ السُّهْمانِ، أو على الرِّوَايَةِ التى تقولُ بإخْرَاجِها فى بَلَدٍ بَعِيدٍ من بَلَدِ المَالِ. وإن كان له مُوَرِّثٌ غَائِبٌ فقال: إن كان مُوَرِّثِى قد مَاتَ، فهذه زَكَاةُ مَالِه الذى وَرِثْتُه منه، فبَانَ مَيِّتًا، لم يُجْزِئْه ما أَخْرَجَ؛ لأنه يَبْنِى على غيرِ أصْلٍ، فهو كما لو قال لَيْلَةَ الشَّكِّ: إن كان غَدًا من رَمَضَانَ فهو فَرْضِى، وإن لم يَكُنْ فهو نَفْلٌ.
423 - مسألة؛ قال: (إلَّا أنْ يَأْخُذَهَا الإمَامُ مِنْهُ قَهْرًا)
مُقْتَضَى كَلَامِ الخِرَقِىِّ، أنَّ الإنْسَانَ متى دَفَعَ زَكَاتَه طَوْعًا لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِنِيَّةٍ، سَوَاءٌ دَفَعَها إلى الإمامِ أو غَيْرِه، وإن أخَذَهَا الإمامُ منه قَهْرًا، أجْزَأَتْ من غيرِ نِيَّةٍ؛ لأنَّ تَعَذُّرَ النِّيَّةِ فى حَقِّه أسْقَطَ وُجُوبَها عنه كالصَّغِيرِ والمَجْنُونِ. وقال القَاضِى: متى أخَذَها الإمامُ أجْزَأَتْ من غيْرِ نِيَّةٍ، سَوَاءٌ أخَذَها طَوْعًا أو كَرْهًا. وهذا قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ أخْذَ الإمَامِ بِمَنْزِلَةِ القسم بين الشُّرَكَاءِ، فلم يَحْتَجْ إلى نِيَّةٍ، ولأنَّ لِلإمَامِ وِلَايَةً فى أخْذِهَا، ولذلك يَأْخُذُهَا من المُمْتَنِعِ اتِّفَاقًا، ولو لم يُجْزِئْهُ لَما أخَذَها، أو لَأخَذَها ثَانِيًا وثَالِثًا حتى يَنْفَدَ مَالُه؛ لأنَّ أخْذَهَا إن كان لِإجْزَائِها فلا يَحْصُلُ الإجْزَاءُ بدون النِّيَّةِ، وإن كان لِوُجُوبِها فالوُجُوبُ باقٍ بعد أخْذِها.
(5) فى م: "مالى".
(6)
فى م: "العينة".
واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ وابنُ عَقِيلٍ: أنَّها لا تُجْزِئ فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالى إلَّا بِنِيَّةِ رَبِّ المَالِ؛ لأنَّ الإمَامَ إمَّا وَكِيلُه، وإمَّا وَكِيلُ الفُقَرَاءِ، أو وَكِيلُهُما مَعًا، وأىَّ ذلك كان فلا تُجْزِئ نِيَّتُه عن نِيَّةِ رَبِّ المَالِ، ولأنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ تَجِبُ لها النِّيَّةُ، فلا تُجْزِئ عَمَّنْ وَجَبَتْ عليه بِغَيْرِ نِيَّةٍ، إذا (1) كان من أهْلِ النِّيَّةِ كالصَّلاةِ، وإنَّما أُخِذَتْ منه مع عَدَمِ الإجْزَاءِ حِرَاسَةً لِلْعِلْمِ الظَّاهِرِ، كالصَّلاةِ يُجْبَرُ عليها لِيَأْتِىَ بِصُورَتِها، ولو صَلَّى بغيْرِ نِيَّةٍ لم يُجْزِئْهُ عندَ اللهِ تعالى. قال ابنُ عَقِيلٍ: ومَعْنَى قَوْلِ الفُقَهاءِ: يُجْزِئ عنه. أى فى الظَّاهِرِ، بمَعْنَى أنَّه لا يُطَالَبُ بأدائِها ثَانِيًا، كما قُلْنَا فى الإسْلامِ، فإنَّ المُرْتَدَّ يُطَالَبُ بالشَّهَادَةِ، فمتى أتَى بها حُكِمَ بإسْلامِهِ ظَاهِرًا، ومتى لم يَكُنْ مُعْتَقِدًا صِحَّةَ ما يَلْفِظُ به، لم يَصِحَّ إسْلامُه بَاطِنًا. قال (2): وقولُ أصْحَابِنا: لا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ. معناه: لا يَسْقُطُ عنه القَتْلُ الذى تَوَجَّهَ عليه؛ لِعَدَمِ عِلْمِنا بحَقِيقةِ (3) تَوْبَتِه؛ لأنَّ أكْثَرَ ما فيه أنَّه أَظْهَرَ إيمَانَهُ، وقد كَانَ طُولَ (4) دَهْره يُظْهِرُ إيمَانَه، ويُسِرُّ (5) كُفْرَهُ، فأمَّا عندَ اللهِ عز وجل فإنَّها تَصِحُّ إذا عُلِمَ منه حَقِيقَةُ الإنابَةِ، وصِدْقُ التَّوْبَةِ، واعْتِقَادُ الحَقِّ. ومن نَصَرَ قَوْلَ الخِرَقِىِّ، قال: إنَّ لِلإمَامِ وِلَايَةً على المُمْتَنِعِ، فقامَتْ نِيَّتُهُ مَقامَ نِيَّتِهِ، كوَلِىِّ اليَتِيمِ والمَجْنُونِ، وفَارَقَ الصلَاةَ؛ فإنَّ النِّيَابَةَ فيها لا تَصِحُّ، فلا بُدَّ مِن نِيَّةِ فَاعِلِها. وقوله: لا يَخْلُو من كَوْنِه وَكِيلًا له، أو وَكِيلًا لِلْفُقَرَاءِ، أوْ لهما. قُلْنا: بل هو وَالٍ على المَالِكِ، وأمَّا إلْحاقُ الزكاةِ بالقِسْمَةِ فغَيْرُ صَحِيحٍ، فإن القِسْمَةَ ليستْ عِبادَةً، ولا يُعْتَبَرُ لها نِيَّةٌ، بخِلَافِ الزَّكَاةِ.
(1) فى أ، م:"إن".
(2)
سقط من: الأصل، أ.
(3)
فى الأصل، أ:"لحقيقة".
(4)
سقط من: م.
(5)
فى ب، م:"ويستر".