الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَذْكُرُوه، ولو صَحَّ حَمَلْنَاهُ على الاسْتِحْبابِ، فإنَّ المُتَتابعَ أحْسَنُ؛ لما فيه من مُوَافَقَةِ الخَبَرِ، والخُرُوجِ من الخِلَافِ وشَبَهِهِ بالأدَاءِ، واللهُ أعلمُ.
510 - مسألة؛ قال: (ومَنْ دَخَلَ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ، فخَرَجَ مِنهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإنْ قَضَاهُ فَحَسَنٌ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن دَخَلَ في صِيامِ تَطَوُّعٍ، اسْتُحِبَّ له إتْمَامُه، ولم يَجِبْ، فإن خَرَجَ منه، فلا قَضَاءَ عليه، رُوِيَ عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ. أنَّهما أصْبَحَا صائِمَيْنِ، ثم أفْطَرَا، وقال ابنُ عمرَ: لا بَأْسَ به، ما لم يَكُنْ نَذْرًا أو قَضاءَ رمضانَ. وقال ابنُ عَبَّاسٍ: إذا صامَ الرَّجُلُ تَطَوُّعًا، ثم شاءَ أنْ يَقْطَعَهُ قَطَعَهُ، وإذا دَخَلَ في صلاةٍ تَطَوُّعًا، ثم شاءَ أن يَقْطَعَها قَطَعَها (1). وقال ابنُ مسعودٍ: متى أصْبَحْتَ تُرِيدُ الصَّوْمَ، فأنْتَ على أحدِ النَّظَرَيْنِ، إن شِئْتَ صُمْتَ، وإن شِئْتَ أفْطَرْتَ (2). هذا مذهبُ أحمدَ، والثَّوْرِيِّ، والشَّافِعِيِّ، وإسحاقَ. وقد رَوَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ، إذا أجْمَعَ على الصِّيامِ، فأوْجَبَهُ على نَفْسِه، فأفْطَرَ مِن غير عُذْرٍ، أعادَ يَوْمًا مكانَ ذلك اليَوْمِ. وهذا مَحْمُولٌ على أنَّه اسْتَحَبَّ ذلك، أو نَذَرَهُ لِيكونَ مُوَافِقًا لِسائِرِ الرِّوايَاتِ عنه. وقال النَّخَعِيُّ، وأبو حنيفةَ، ومالِكٌ: يَلْزَمُ بالشُّرُوعِ (3) فيه ولا يَخْرُجُ منه إلا بِعُذْرٍ، فإن خَرَجَ قَضَى. وعن مالِكٍ: لا قَضاء عليه. واحْتَجَّ مَن أوْجَبَ القَضاءَ بما رُوِيَ عن عائشةَ، أنَّها قالتْ: أصْبَحْتُ أنا وحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، فأُهْدِيَ لنا حَيْسٌ (4)، فأفْطَرْنَا، ثم سَألْنَا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَه"(5). ولأنَّها عِبادَةٌ تَلْزَمُ بالنَّذْرِ فلَزِمَتْ
(1) أخرجه البيهقي، في: باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه، من كتاب الصيام. السنن الكبرى وأخرج نحوه عبد الرزاق، في: باب في إفطار التطوع وصومه إذا لم يبيته، من كتاب الصوم. المصنف 4/ 271.
(2)
أخرجه البيهقي، في الموضع السابق.
(3)
في م: "بالشرع" خطأ.
(4)
الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط، فيعجن شديدا، ثم يندر منه نواه، وربما جعل فيه سويق.
(5)
أخرجه أبو داود، في: باب من رأى عليه القضاء، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 572.=
بِالشُّرُوعِ فيها، كالحَجِّ والعُمْرَةِ. ولَنا، ما رَوَى مُسْلِمٌ، وأبو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ (6)، عن عائشةَ، قالتْ دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فقال:"هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ ". فقلتُ: لا. قال: "فَإنِّي صَائِمٌ". ثم مَرَّ بي (7) بعد ذلك اليَوْمِ، وقد أُهْدِيَ إلَيَّ حَيْسٌ، فَخَبَأْتُ له منه، وكان يُحِبُّ الحَيْسَ. قلتُ: يا رسولَ اللَّه، إنَّه أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فخَبَأْتُ لك منه، قال:"أَدْنِيهِ، أمَا إنِّي قد أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ". فأكَلَ منه، ثم قال لنا:"إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ؛ فَإِنْ شَاءَ أمْضَاهَا، وإنْ شَاءَ حَبَسَها". هذا لَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وهو أتَمُّ من غَيْرِه. ورَوَتْ أُمُّ هانِىءٍ، قالتْ: دَخَلْتُ (8) على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأُتِيَ بِشَرَابٍ، فنَاوَلَنِيهِ فشَرِبْتُ منه، ثم قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، لقد أفْطَرْتُ وكنتُ صَائِمَةً. فقال لها:"أكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟ " قالت: لا. قال: "فَلَا يَضُرُّكِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا". رَوَاهُ سَعِيدٌ، وأبو دَاوُدَ (9)، والأثْرَمُ. وفي لَفْظٍ قالتْ: قلتُ، إنِّي صَائِمَةٌ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ المُتَطَوِّعَ أمِيرُ نَفْسِهِ، فَإنْ شِئْتِ فَصُومِي، وإنْ شِئْتِ فَأفْطِرِى"(10). ولأنَّ كُلَّ صَوْمٍ لو أتَمَّهُ
= والترمذي، في: باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذي 3/ 270. والإمام مالك، في: باب قضاء التطوع، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 306.
(6)
أخرجه مسلم، في: باب جواز صوم النافلة بنية من النهار، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 808، 809. وأبو داود، في: باب في الرخصة في ذلك، من كتاب الصيام. سنن أبي داود 1/ 571. والنسائي، في: باب النية في الصيام. من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 163.
(7)
سقط من: ب، م.
(8)
في الأصل: "دخل".
(9)
في: باب الرخصة في ذلك، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 572.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذي 3/ 267، 268. والدارمي، في: باب في من يصبح صائما تطوعا ثم يفطر، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 16. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 424.
(10)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذي 3/ 268، 269. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 343، 424.