الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، ولْيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِه. قال ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحابَةِ، فلم يُنْكِرُوهُ، فَدَلَّ على اتِّفَاقِهم عليه. ورَوَى أصْحابُ مالِكٍ، عن عُمَيْرِ بن عِمْرَانَ، عن شُجاعٍ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ"(4). وهذا نَصٌّ. ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ أنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُم، فَأَرُدَّهَا فِى فُقَرَائِكُمْ"(5). فدَلَّ على أَنَّها إنَّما تَجِبُ على الأغْنِياءِ ولا تُدْفَعُ إلَّا إلى الفُقراءِ، وهذا مِمَّنْ يَحِلُّ له أخْذُ الزكاةِ، فيكَونُ فَقِيرًا، فلا تَجِبُ عليه الزكاةُ؛ لأنَّها لا تَجِبُ إلَّا على الأغْنِيَاءِ، لِلْخَبَرِ، ولِقَوْلِه عليه السلام:"لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"(6). ويُخَالِفُ مَن لا دَيْنَ له عليه، فإنَّه غَنِىٌّ يَمْلِكُ نِصَابًا (7)، يُحَقِّقُ هذا أنَّ الزكاةَ إنَّما وَجَبَتْ مُواساةً لِلْفُقَراءِ، وشُكْرًا لِنِعْمَةِ الغِنَى، والمَدِينُ مُحْتَاجٌ إلى قَضاءِ دَيْنِه كحاجَةِ الفقِيرِ أو أشَدَّ، وليس من الحِكْمَةِ تَعْطِيلُ حاجَةِ المالِكِ [لدَفْعِ حاجةِ](8) غيرِه، ولا حَصَل له من الغِنَى ما يَقْتَضِى الشُّكْرَ بالإِخراجِ، وقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ"(9).
فصل:
فأمَّا الأَمْوَالُ الظَّاهِرِةُ وهى السَّائِمَةُ، والحُبُوبُ، والثِّمَارُ، فرُوِىَ عن أحمدَ، أنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزكاةَ أيضًا فيها؛ لما ذَكَرْنَاهُ فى الأمْوالِ الباطِنَةِ. قال أحمدُ، فى رِوَايَةِ إسحاقَ بن إبراهيمَ: يَبْتَدِئُ بالدَّيْن فيَقْضِيه، ثمَّ يَنْظُرُ ما بَقِىَ عندَه بعد
(4) لم نجد هذا الحديث.
وانظر: النقل عن مالك والليث وأهل الرأى فى هذه المسألة، فى الأموال 438.
(5)
تقدَّم فى 1/ 275.
(6)
تقدَّم تخريجه فى صفحة 150.
(7)
فى الأصل، ب:"النصاب".
(8)
فى م: "لحاجة".
(9)
انظر تعليق ابن حجر على هذا الحديث، فى تلخيص الحَبِير 2/ 184. وتقدم تخريج حديث:"ابدأ بمن تعول"، فى صفحة 150، عند إيراد حديث:"لا صَدَقَة إلَّا عن ظهر غنى".
إخْرَاجِ النَّفَقَةِ، فيُزَكِّى ما بَقِىَ، ولا يكونُ على أحَدٍ، دَيْنُه أكْثَرُ من مالِهِ، صَدَقَةٌ فى إبِلٍ، أو بَقَرٍ، أو غَنَمٍ، أو زَرْعٍ، ولا زَكَاةٌ. وهذا قولُ عَطاءٍ، والحسنِ، وسليمانَ، ومَيْمُونِ بن مِهْرَانَ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِيِّ، واللَّيْثِ، وإسحاقَ؛ لِعُمُومِ ما ذَكَرْنَا. وَرُوِىَ، أَنَّه لا يَمْنَعُ الزكاةَ فيها. وهو قولُ مالِكٍ، والأوْزاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ. وَرُوِىَ عن أحمدَ أَنَّه قال: قد اخْتَلَفَ ابنُ عمرَ وابنُ عَبَّاسٍ، فقال ابنُ عمرَ: يُخْرِجُ ما اسْتَدَانَ أو أنْفَقَ على ثَمَرَتِه وأهْلِه، ويُزَكِّى ما بَقِىَ. وقال الآخَرُ: يُخْرِجُ ما اسْتَدَانَ (10) على ثَمَرَتِه، ويُزَكِّى ما بَقِىَ (11). وإليه أَذْهَبُ أن لا يُزَكِّىَ ما أَنْفَقَ على ثَمَرَتِه خاصَّةً، ويُزَكِّى ما بَقِىَ؛ لأنَّ المُصَدِّقَ إذا جَاءَ فوَجَدَ إِبِلًا، أو بَقَرًا، أو غَنَمًا، لم يَسْأَلْ أيَّ شىءٍ على صَاحِبِها من الدَّيْنِ، وليس المالُ هكذا. فعلَى هذه الرِّوَايَةِ، لا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزكاةَ فى الأمْوالِ الظاهِرَةِ، إلَّا فى الزُّرُوْعِ (12) والثِّمَارِ، فيما اسْتَدَانَهُ للإِنْفاقِ عليها خاصَّةً. وهذا ظاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه قال فى الخَراجِ:"يُخْرِجُه، ثمَّ يُزَكِّى ما بَقِىَ". جَعَلَهُ كالدَّيْنِ على الزَّرْعِ. وقال فى الماشِيَةِ المَرْهُوَنةِ: "يُؤدِّى منها إذا لم يَكُنْ له مالٌ يُؤَدِّى عنها". فأوْجَبَ الزَّكَاةَ فيها مع الدَّيْنِ. وقال أبو حنيفةَ: الدَّيْنُ الذى تَتَوَجَّهُ فيه المُطَالَبَةُ يَمْنَعُ فى سَائِرِ الأَموَالِ، إلَّا الزُّرُوعَ (13) والثِّمَارَ. بِنَاءً منه على أنَّ الوَاجِبَ فيها ليس بِصَدَقَةٍ، والفَرْقُ بين الأَمْوَالِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ أَنَّ تَعَلُّقَ الزكاةِ بالظَّاهِرَةِ آكَدُ، لِظُهُورِهَا، وتَعَلُّقِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ بها، ولهذا يُشْرَعُ إرْسالُ ساعٍ (13) يَأْخُذُ صَدَقَتَها من أَرْبَابِها، وكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ السُّعَاةَ، فيأْخُذُونَ الصَّدَقَةَ مِن أَرْبَابِها، وكذلك الخُلَفَاءُ بعدَه، وعلى مَنْعِهَا قَاتَلَهُمْ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِىَ اللَّه عنه، ولم يَأْتِ عنهم (14) أنَّهم
(10) فى سنن البيهقى: "أنفق".
(11)
أخرجه البيهقى، فى: باب الدين مع الصدقة، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 148.
(12)
فى م: "الزرع".
(13)
فى م: "من".
(14)
فى ب، م:"عنه".