الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العِبادَاتِ، ويخْرُجُ به من الخِلافِ.
فصل:
إذا قُلْنَا: إنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ. لم يَصِحَّ اعْتِكافُ لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، ولا بعضِ يَوْمٍ، ولا لَيْلَةٍ وبَعْضِ يَوْمٍ؛ لأنَّ الصَّوْمَ المُشْتَرَطَ لا يَصِحُّ فى أَقَلَّ من يَوْمٍ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ فى بعضِ اليَوْمِ، إذا صَامَ اليَوْمَ كُلَّه؛ لأنَّ الصَّوْمَ المَشْرُوطَ وُجِدَ فى زَمَنِ الاعْتِكافِ، ولا يُعْتَبَرُ وُجُودُ المَشْرُوطِ فى زَمَنِ الشَّرْطِ كلِّه.
528 - مسألة؛ قال: (وَلَا يَجُوزُ الاعْتِكَافُ إلَّا فِى مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ)
يَعْنِى تُقَامُ الجماعةُ فيه. وإنَّما اشْتُرِطَ ذلك؛ لأنَّ الجماعةَ واجِبَةٌ، واعْتِكافُ الرَّجُلِ فى مسجدٍ لا تُقامُ فيه الجماعةُ يُفْضِى إلى أحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَرْكُ الجماعةِ الوَاجِبَةِ، وإمَّا خُرُوجُه إليها، فيَتَكَرَّرُ ذلك منه (1) كَثِيرًا مع إمْكَانِ التَّحَرُّزِ منه، وذلك مُنافٍ لِلاعْتِكافِ، إذْ هو لُزُومُ المُعْتَكَفِ والإِقامَةُ على طاعَةِ اللهِ فيه. ولا يَصِحُّ الاعْتِكافُ فى غير مَسْجِدٍ إذا كان المُعْتَكِفُ رَجُلًا. لا نَعْلَمُ فى هذا بين أهْلِ العِلْمِ خِلافًا، والأصْلُ فى ذلك قَوْلُ اللهِ تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (2). فخَصَّها بذلك، ولو صَحَّ الاعْتِكافُ فى غيرِها، لم يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ المُباشَرَةِ فيها؛ فإنَّ المُبَاشَرَةَ مُحَرَّمَةٌ فى الاعْتِكافِ مُطْلَقًا. وفى حديثِ عائشةَ، قالتْ: إنْ كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عَلَىَّ رَأْسَهُ، وهو فى المسجِدِ، فأُرَجِّلُه، وكان لا يَدْخُلُ البَيْتَ إلَّا لِحاجَةٍ إذا كان مُعْتَكِفًا (3). ورَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (4) بإسْنَادِهِ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، وسَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، عن
(1) فى الأصل: "فيه".
(2)
سورة البقرة 187.
(3)
أخرجه البخارى، فى: باب لا يدخل البيت إلَّا لحاجة، من كتاب الاعتكاف. صحيح البخارى 3/ 63. ومسلم، فى: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها. . .، من كتاب الحيض 1/ 244. والترمذى، فى: باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 4/ 16. والإِمام مالك، فى: باب ذكر الاعتكاف، من كتاب الاعتكاف. الموطأ 1/ 312.
(4)
فى: باب الاعتكاف، من كتاب الصِّيام. سنن الدارقطنى 2/ 201.
عائشةَ، فى حديثٍ: وأنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ أن لا يَخْرُجَ إلَّا لِحاجَةِ الإِنْسَانِ، ولا اعْتِكَافَ إِلَّا فى مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ. فذَهَبَ أبو عبدِ اللهِ إلى أن كُلَّ مَسْجِدٍ تُقامُ فيه الجماعةُ يجوزُ الاعْتِكافُ فيه، ولا يجوزُ فى غيرِه. ورُوِىَ عن حُذَيْفَةَ، وعائشةَ، والزُّهْرِىِّ، ما يَدُلُّ على هذا. واعْتَكَفَ أبو قِلَابَةَ وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ فى مَسْجِدِ حَيِّهِما. ورُوِىَ عن عائشةَ، والزُّهْرِىِّ، أنَّه لا يَصِحُّ إلَّا فى مَساجِدِ الجماعاتِ. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ، إذا كان اعْتِكَافُه يَتَخَلَّلُه جُمُعَةٌ، لئَلَّا يَلْتَزِمَ الخُرُوجَ من مُعْتَكَفِه، لما يُمْكِنُه التَّحَرُّزُ من الخُرُوجِ إليه. ورُوِىَ عن حُذَيْفَةَ، وسعِيدِ بن المُسَيَّبِ: لا يجوزُ الاعْتِكافُ إلَّا فى مَسْجِدِ نَبِىٍّ. وحُكِىَ عن حُذَيْفَةَ، أنَّ الاعْتِكافَ لا يَصِحُّ إلَّا فى أحَدِ المَساجِدِ الثَّلاثةِ، قال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عن إبراهيمَ، قال: دَخَلَ حُذَيْفَةُ مَسْجِدَ الكُوفَةِ، فإذا هو بِأبْنِيَةٍ مَضْرُوبَةٍ، فسألَ عنها. فقِيلَ: قَوْمٌ مُعْتَكِفُونَ. فانْطَلَقَ إلى ابنِ مسعودٍ، فقال: ألا تَعْجَبُ من قَوْمٍ يَزْعُمُونَ أنَّهم مُعْتَكِفُونَ بين دَارِكَ ودَارِ الأشْعَرِىِّ؟ فقال عبدُ اللهِ: فلعلَّهم أصابُوا وأخْطَأْتَ، وحَفِظُوا ونَسِيتَ. فقال حُذَيْفَةُ: لقد عَلِمْتُ ما الاعْتِكافُ إلَّا فى ثلاثةِ مَساجِدَ: المَسْجِدِ الحَرامِ، والمَسْجِدِ الأقْصَى، ومَسْجِدِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم (5). وقال مالِكٌ: يَصِحُّ الاعْتِكافُ فى كُلِّ مَسْجِدٍ، لِعُمُومِ قَوْلِه تعالى:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فى الْمَسَاجِدِ} (6). وهو قولُ الشَّافِعِىِّ إذا لم يَكُنِ اعْتِكافُه يَتَخَلَّلُه جُمُعَةٌ. ولَنا، قَوْلُ عائشةَ: من (7) السُّنَّةِ لِلْمُعْتَكِفِ، أن لا يَخْرُجَ إلَّا لحاجَةِ الإِنْسَانِ، ولا اعْتِكَافَ إلَّا فى مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ. وقد قِيلَ: إنَّ هذا من قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وهو
(5) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب لا جوار إلَّا فى مسجد جماعة، من كتاب الاعتكاف، المصنِّف 4/ 347، 348. وابن أبى شَيْبَة، فى: باب من قال لا اعتكاف إلَّا فى مسجد يجمع فيه، من كتاب الصيام. المصنف 3/ 91.
(6)
سورة البقرة 187.
(7)
فى ب: "فى".