الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّنَّةُ، فقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِه لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ (3) مِنْ أجْلِى"(4). وأجْمَعَ العُلَماءُ على الفِطْرِ بالأكْلِ والشُّرْبِ لما (5) يُتَغَذَّى به، فأمَّا ما لا يُتَغَذَّى به، فعَامَّةُ أهْلِ العِلْمِ على أنَّ الفِطْرَ يَحْصُلُ به. وقال الحسنُ بن صالِحٍ: لا يُفْطِرُ بما ليس بِطَعامٍ ولا شَرابٍ، وحُكِىَ عن أبى طَلْحَةَ الأنْصَارِيِّ، أنَّه كان يَأْكُلُ البَرَدَ في الصَّوْمِ، ويقولُ: ليسَ بطَعامٍ ولا شَرابٍ. ولَعَلَّ من يَذْهَبُ إلى ذلك يَحْتَجُّ بأنَّ الكتابَ والسُّنَّةَ إنَّما حَرَّمَا الأكْلَ والشُّرْبَ، فما عَدَاهُما يَبْقَى على أصْلِ الإباحَةِ. ولَنا، دَلَالَةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ على تَحْرِيمِ الأَكْلِ والشُّرْبِ على العُمُومِ، فيَدْخُلُ فيه مَحَلُّ النِّزَاعِ، ولم يَثْبُتْ عِنْدَنا ما نُقِلَ عن أبى طَلْحَةَ، فلا يُعَدُّ خِلَافًا.
الفصل الثاني
، أنَّ الحِجَامَةَ يُفْطِرُ بها الحاجِمُ والمَحْجُومُ. وبه قال إسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، ومحمدُ [بن إسحاقَ](6) بن خُزَيْمَةَ. وهو قَوْلُ عَطاءٍ، وعبدِ الرحمنِ ابن مَهْدِيٍّ. وكان الحسنُ، ومَسْرُوقٌ، وابنُ سِيرِينَ، لا يَرَوْنَ لِلصَّائِم أن يَحْتَجِمَ. وكان جَماعَةٌ من الصَّحابَةِ يَحْتَجِمُونَ لَيْلًا في الصَّوْمِ، منهم ابنُ عمرَ، وابنُ عَبَّاسٍ، وأبو موسى، وأنَسُ [بنُ مالك](7)، ورَخَّصَ فيها أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ، وابنُ مسعودٍ، وأُمُّ سَلَمَةَ، وحسينُ بنُ عليٍّ، وعُرْوَةُ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ. وقال مالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ: يجوزُ لِلصَّائِمِ أن يَحْتَجِمَ، ولا يُفْطرُ؛ لما رَوَى البُخَارِيُّ (8)، عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو صَائِمٌ. ولأنَّه دَمٌ خَارِجٌ
(3) سقط من: الأصل.
(4)
تقدم تخريجه في 1/ 138.
(5)
في ب، م:"بما".
(6)
سقط من: الأصل.
(7)
سقط من: م.
(8)
في: باب الحجامة والقىء للصائم، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 43.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرخصة في ذلك، من كتاب الصوم. سنن أبي داود 1/ 553. والترمذى، في: باب ما جاء في الرخصة في ذلك، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 305. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الحجامة للصائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 537.
من البَدَنِ، أشْبَهَ الفَصْدَ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ"(9). رَوَاهُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، قال أحمدُ: حَدِيثُ شَدَّادِ بن أوْسٍ مِن أصَحِّ حَدِيثٍ يُرْوَى في هذا البابِ، وإسْنَادُ حَدِيثِ رَافِعٍ إسْنَادٌ جَيِّدٌ. وقال: حَدِيثُ شَدَّادٍ وثَوْبَانَ صَحِيحانِ، وعن عَلِيِّ بن الْمَدِينِيِّ، أنَّه قال: أصَحُّ شىءٍ في هذا البابِ حَدِيثُ شَدَّادٍ وثَوْبانَ. وحَدِيثُهُم مَنْسُوخٌ بحَدِيثِنَا، بِدَلِيلِ ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، أنَّه قال: احْتَجَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقَاحةِ (10) بقَرْنٍ ونَابٍ، وهو مُحْرِمٌ صَائِمٌ، فوَجَدَ لذلك ضَعْفًا شَدِيدًا، فنَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يَحْتَجِمَ الصَّائِمُ. رَوَاهُ أبو إسحاقَ الجُوزَجَانِيّ في "المُتَرْجَمِ"(11)، وعن الحَكَمِ، قال: احْتَجَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو صَائِمٌ فضَعُف، ثم كُرِهَتِ الحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ. وكان ابنُ عَبّاسٍ، وهو رَاوِى حَدِيثِهم، يُعِدُّ الحَجَّامَ والمَحَاجِمَ، فإذا غَابَتِ الشَّمْسُ
(9) أخرجه البخاري، في: باب الحجامة والقىء للصائم، من كتاب الصوم. صحيح البخاري 3/ 42. وأبو داود، في: باب في الصائم يحتجم، من كتاب الصوم. سنن أبي داود 1/ 552، 553. والترمذى، في: باب كراهية الحجامة للصائم، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 303. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الحجامة للصائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 537. والدارمي، في: باب الحجامة تفطر الصائم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 14. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 364، 3/ 465، 474، 480، 4/ 123 - 125، 5/ 210، 276، 277، 280، 282، 283، 6/ 12، 157، 258.
(10)
القاحة: على ثلاث مراحل من المدينة، قبل السقيا بنحو ميل. معجم البلدان 4/ 5.
(11)
حديث ابن عباس في احتجام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو صائم بالقاحة، أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 244، 344، والهيثمي، في كشف الأستار عن زوائد البزار 1/ 478. أما الرواية التى لم تذكر المكان، وذكرت احتجامه وهو صائم، أو وهو محرم صائم، فقد أخرجها البخاري، في: باب الحجامة والقىء للصائم، من كتاب الصوم، وفى: باب أى ساعة يحتجم، من كتاب الطب. صحيح البخاري 3/ 42، 43، 7/ 161. وأبو داود، في: باب الرخصة في الاحتجام للصائم، من كتاب الصوم. سنن أبي داود 1/ 553، 554. والترمذى، في: باب ما جاء في الرخصة في الحجامة للصائم، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 305. والبيهقي، في: باب الصائم يحتجم لا يبطل صومه، من كتاب الصوم. السنن الكبري 4/ 263. والهيثمى، في: باب الحجامة للصائم، من كتاب الصوم. مجمع الزوائد 3/ 169، 170.