الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُفارِقُ الإغْماءَ في ذلك.
513 - مسألة؛ قال: (وإذَا رَأى هِلَالَ شَهْرِ رَمَضانَ وَحْدَهُ، صَامَ)
المَشهورُ في المذهبِ أنَّه مَتَى رَأى الهِلالَ وَاحِدٌ لَزِمَهُ الصِّيامُ، عَدْلًا كان أو غيرَ عَدْلٍ، شَهِدَ عندَ الحَاكِمِ أو لم يَشْهَدْ، قُبِلَتْ شَهادَتُه أو رُدَّتْ. وهذا قولُ مالِكٍ، واللَّيْثِ، والشَّافِعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْي، وابنِ المُنْذِرِ. وقال عَطاءٌ، وإسحاقُ: لا يَصُومُ. وقد رَوَى حَنْبَلٌ عن أحمدَ: لا يَصُومُ إلَّا في جَماعَةِ النَّاسِ. ورُوِيَ نَحْوُه عن الحسنِ وابْنِ سِيرِينَ؛ لأنَّه يَوْمٌ مَحْكُومٌ به من شعبانَ، فأشْبَهَ التَّاسِعَ والعِشْرِينَ. ولَنا، أنَّه تَيَقَّنَ (1) أنَّه مِن رمضانَ فلَزِمَهُ صومُه، كما لو حَكَمَ به الحاكِمُ. وكَوْنُه مَحْكُومًا به من شعبانَ ظَاهِرٌ في حَقِّ غيرِه، وأمَّا في الباطِنِ فهو يَعْلَمُ أنَّه مِن رمضانَ، فلَزِمَهُ صِيامُه كالعَدْلِ.
فصل:
فإن أفْطَرَ ذلك اليَوْمَ بِجِمَاعٍ، فعليه الكَفَّارَةُ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَجِبُ؛ لأنَّها عُقُوبَةٌ، فلا تَجِبُ بِفِعْلٍ مُخْتَلَفٍ فيه، كالحَدِّ. ولَنا، أنَّه أفْطَرَ يَوْمًا من رمضانَ بِجِمَاعٍ، فوجَبَتْ (2) عليه الكَفَّارَةُ، كما لو قُبِلَتْ شَهادَتُه، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الكَفَّارَةَ عُقُوبَةٌ، ثم قِيَاسُهم يَنْتَقِضُ بِوُجُوبِ الكَفَّارَةِ في السَّفَرِ القَصِيرِ، مع وُقُوعِ الخِلافِ فيه.
514 - مسألة؛ قال: (وإنْ كَانَ عَدْلًا، صُوِّمَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ)
المشهورُ عن أحمدَ، أنَّه يُقْبَلُ في هِلَالِ رمضانَ قَوْلُ وَاحِدٍ عَدْلٍ، ويَلْزَمُ النَّاسَ الصِّيَامُ بِقَوْلِهِ. وهو قولُ عمرَ، وعليٍّ، وابنِ عمرَ، وابنِ المُبارَكِ، والشَّافِعِيِّ في
(1) في الأصل: "يتيقن".
(2)
في م زيادة: "به".
الصَّحِيحِ عنه. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه قال: اثْنَيْن أعْجَبُ إلَيَّ. قال أبو بكرٍ: إنْ رَآه وَحْدَهُ، ثم قَدِمَ المِصْرَ، صامَ النَّاسُ بِقَوْلِه، على ما رُوِيَ في الحَدِيثِ (1)، وإن كان الوَاحِدُ في جَمَاعَةِ النَّاسِ، فذَكَرَ أَنَّه رَآهُ دُونَهم، لم يُقْبَلْ إلَّا قَوْلُ اثْنَيْنِ؛ لأنَّهم يُعايِنُونَ ما عايَنَ. وقال عُثمانُ بنُ عَفانَ، رضي الله عنه: لا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ. وهو قولُ مالِكٍ، واللَّيْثِ، والأوْزاعِيِّ، وإسحاقَ؛ لما رَوَى عبدُ الرحمنِ بن زَيْدِ بن الخَطَّابِ، أنَّه خَطَبَ النَّاسَ في (2) اليَوْمِ الذي يشكُّ فيه. فقال: إنِّي جَالَسْتُ أصْحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسألْتُهم، وإنَّهم حَدَّثُونِي أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"صُومُوا لِرُؤْيَتِه، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه، وانْسُكُوا، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ، وَإنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ، فَصُومُوا وأفْطِرُوا". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (3). ولأنَّ هذه شهادَةٌ على رُؤْيَةِ الهِلَالِ، فأشْبَهَتِ الشَّهادَةَ على هِلَالِ شَوَّال، وقال أبو حنيفةَ في الغَيْمِ كقَوْلِنَا، وفي الصَّحْوِ: لا يُقْبَلُ إلَّا الاسْتِفَاضَةُ؛ لأنَّه لا يجوزُ أن تَنْظُرَ الجَماعَةُ إلى مَطْلَعِ الهِلالِ، وأبْصارُهم صَحِيحَةٌ، والمَوَانِعُ مُرْتَفِعَةٌ، فيَرَاهُ واحِدٌ دُونَ البَاقِينَ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ قال: جاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: رَأيتُ الهِلالَ. قال، "أتَشْهَدُ (4) أن لَا إلهَ إلّا اللهُ وأن مُحَمّدًا عَبْدُهُ (5) ورَسُولُه؟ " قال: نعم. قال: "يا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا غَدًا". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ (6). ورَوَى ابنُ عمرَ، قال: تَرَاءَى النّاسُ الهِلالَ،
(1) الآتي من رواية ابن عباس، وحديث ابن عمر الآتي أيضًا.
(2)
في م زيادة: "ذلك".
(3)
في: باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 107. كما أخرجه الدارقطني، في: باب الشهادة على رؤية الهلال، من كتاب الصيام. سنن الدارقطني 2/ 167.
(4)
في م: "أشهد" خطأ.
(5)
في م: "عبدا".
(6)
أخرجه أبو داود، في: باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصوم. سنن أبي داود =
فأخْبَرْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنِّي رَأيْتُه. فصامَ وأمَرَ النَّاسَ بِصِيامِه. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (7). ولأنَّه خَبَرٌ عن وَقْتِ الفَرِيضَةِ فيما طَرِيقُه المُشَاهَدَةُ، فقُبِلَ من وَاحِدٍ، كالخَبَرِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصلاةِ، ولأنَّه خَبَرٌ دِينيٌّ يَشْتَرِكُ فيه المُخْبِرُ والمُخْبَرُ، فَقُبِلَ من واحِدٍ عَدْلٍ، كالرِّوَايَةِ، وخَبَرُهم إنَّما يَدُلُّ بِمَفْهُومِه، وخَبَرُنَا أشْهَرُ منه، وهو يَدُلُّ بِمَنْطُوقِه، فيَجِبُ تَقْدِيمُه، ويُفَارِقُ الخَبَرَ عن هِلَالِ شَوَّال، فإنَّه خُرُوجٌ من العِبادَةِ، وهذا دُخُولٌ فيها، وحَدِيثُهم في هِلَالِ شَوَّال يُخالِفُ مَسْألَتَنَا، وما ذَكَرَهُ أبو بكرٍ، وأبو حنيفةَ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يجوزُ انْفِرَادُ الوَاحِدِ به مع لَطَافَةِ المَرْئِيِّ وبُعْدِه، ويجوزُ أن تَخْتَلِفَ مَعْرِفَتُهم بالمَطْلِعِ ومَوَاضِعُ قَصْدِهم وحِدَّةُ نَظَرِهم، ولهذا لو حَكَمَ بِرُؤْيَتِه حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ واحِدٍ، جازَ، ولو شَهِدَ شَاهِدانِ، وَجَبَ قَبُولُ شَهادَتِهما، ولو كان مُمْتَنِعًا على ما قَالُوهُ لم يَصِحَّ فيه حُكْمُ حَاكِمٍ، ولا يثْبُتُ أو بِشَهَادةِ (8) اثْنَيْنِ، ومَن مَنَعَ ثُبُوتَهُ بِشَهادَةِ اثْنَيْنِ، رَدَّ عليه الخَبَرُ الأوَّلُ، وقِياسُه على سَائِرِ الحقوق وسائِرِ الشُّهُورِ، ولو أنَّ جَمَاعَةً في مَحْفِلٍ، فشَهِدَ اثْنَانِ منهم أَنَّه طَلَّقَ زَوْجَتَه، أو أعْتَقَ عَبْدَهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهما دونَ مَن أَنْكَرَ، ولو أنَّ اثْنَيْنِ من أهْلِ الجُمُعَةِ شَهِدَا على الخَطِيبِ أنَّه قال على المِنْبَرِ في الخُطْبَةِ شَيْئًا، لم يَشْهَدْ به غَيْرُهما، لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهما، وكذلك لو شَهِدَا عليه بِفِعْلٍ، وإن كان غَيْرُهُما
= 1/ 547. والترمذي، في: باب ما جاء في الصوم بالشهادة، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذي 3/ 206. والنسائي، في: باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 106.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 529. والدارمي، في: باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 5.
(7)
في: باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصوم. سنن أبي داود 1/ 547. كما أخرجه الدارمي، في: باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، من كتاب الصيام. سنن الدارمي 2/ 4.
(8)
في م: "شهادة". خطأ.