الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-صلى الله عليه وسلم: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ". رَوَاهُ البُخَارِىُّ، ومُسْلِمٌ (4).
فصل:
وإن نَوَى اعْتِكافَ (5) مُدَّةٍ لم تَلْزَمْهُ، فإنْ شَرَعَ فيها فله إتْمامُها، وله الخُرُوجُ منها متى شاءَ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال مالِكٌ: تَلْزَمُه بِالنِّيَّةِ مع الدُّخُولِ فيه، فإنْ قَطَعَهُ لَزِمَهُ قَضاؤُه. وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: لا يَخْتَلِفُ فى ذلك الفُقَهَاءُ، ويَلْزَمُه القَضَاءُ عند جَمِيعِ العُلَماءِ. وقال: وإن لم يَدْخُلْ فيه فالقَضاءُ مُسْتَحَبٌّ. ومن العُلَماءِ من أوْجَبَهُ وإن لم يَدْخُلْ فيه، واحْتَجَّ بما رُوِىَ عن عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِن رمضانَ، فاسْتَأَذَنَتْهُ عائشةُ، فأذِنَ لها، فأمَرَتْ بِبِنَائِها فضُرِبَ، وسألتْ حَفْصَةُ أن تَسْتَأْذِنَ لها رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَفَعَلَتْ، فأمَرَتْ بِبِنائِها فضُرِبَ، فلما رَأتْ ذلك زينبُ بِنْتُ جَحْشٍ أَمَرَتْ بِبِنائِها فضُرِبَ، قالتْ: وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى الصُّبحَ دَخَل مُعْتَكَفَهُ، فلمَّا صَلَّى الصُّبحَ انْصَرَفَ، فَبَصُرَ بالأبنِيَةِ، فقال:"مَا هذَا؟ "، فقالوا: بِناءُ عائشةَ، وحَفْصَةَ، وزينبَ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"آلْبِرَّ أرَدْتُنَّ! مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ" فرَجَعَ. فلما أفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِن شَوَّال. مُتَّفَقٌ على مَعْنَاه (6). ولأنَّها عِبَادَةٌ
(4) فى أ: "متفق عليه". وهما بمعنى. وأخرجه البخارى، فى: باب الاعتكاف ليلا، وباب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف، وباب إذا نذر فى الجاهلية أن يعكتف ثمَّ أَسْلَم. من كتاب الاعتكاف. صحيح البخارى 3/ 63، 66، 67. ومسلم، فى: باب نذر الكافر وما يفعله فيه إذا أَسْلَم، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1277.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب من نذر فى الجاهلية ثمَّ أدرك الإسلام. من كتاب الأيمان. سنن أبي داود 2/ 217. والترمذى، فى: باب ما جاء فى وفاء النذر، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 22، 23. وابن ماجه، فى: باب الوفاء بالنذر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 687. والدارمى، فى: باب الوفاء بالنذر، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 183.
(5)
فى الأصل: "الاعتكاف".
(6)
أخرجه البخارى، فى: باب من أراد أن يعتكف ثمَّ بدا له أن يخرج، من كتاب الاعتكاف. صحيح البخارى 3/ 67. ومسلم، فى: باب متى يدخل من أراد الاعتكاف فى معتكفه، من كتاب الاعتكاف. صحيح مسلم 2/ 831.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب الاعتكاف، من كتاب الصِّيام. سنن أبي داود 1/ 573. والنسائى، =
تَتَعَلَّقُ بِالمَسْجِدِ، فلَزِمَتْ بالدُّخُولِ فيها، كالحَجِّ. ولم يَصْنَعِ ابنُ عبدِ البَرِّ شيئًا، وهذا ليس بِإِجماعٍ، ولا نَعْرِفُ هذا القَوْلَ عن أحَدٍ سِوَاهُ، وقَد قال الشَّافِعِىُّ: كُلُّ عَمَلٍ لَكَ أن لا تَدْخُلَ فيه، فإذا دَخَلْتَ فيه فخَرَجْتَ منه، فليس عليك أن تَقْضِىَ، إلَّا الحَجَّ والعُمْرَةَ. ولم يَقَعِ الإِجْماعُ على لُزُومِ نَافِلَةٍ بِالشُّرُوعِ فيها سِوَى الحَجِّ والعُمْرَةِ. وإذا كانتِ العِباداتُ التى لها أصْلٌ فى الوُجُوبِ لا تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، فما ليس له أصْلٌ فى الوُجُوبِ أوْلَى، وقد انْعَقَدَ الإِجْماعُ على أنَّ الإِنْسانَ لو نَوَى الصَّدَقَةَ بمالٍ مُقَدَّرٍ، وشَرَعَ فى الصَّدَقَةِ به، فأخْرَجَ بَعْضَه، لم تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ، وهو نَظِيرُ الاعْتِكافِ؛ لأنَّه غيرُ مُقَدَّرٍ بِالشَّرْعِ، فأشْبَهَ الصَّدَقَةَ. وما ذَكَرَه حُجَّةٌ عليه؛ فإنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اعْتِكافَه، ولو كان وَاجِبًا لمَا تَرَكَهُ، وأزْوَاجُه تَرَكْنَ الاعْتِكافَ بعد نِيَّتِه وضَرْبِ أَبْنِيَتِهِنَّ له، ولم يُوجَدْ عُذْرٌ يَمْنَعُ فِعْلَ الواجِبِ، ولا أُمِرْنَ بِالقَضاءِ، وقَضاءُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم له لم يَكُنْ وَاجِبًا عليه، وإنَّما فَعَلَهُ تَطَوُّعًا؛ لأنَّه كان إذا عَمِلَ عَمَلًا أثْبَتَهُ، وكان فِعْلُه لِقَضائِه كفِعْلِه لِأدائِه، على سَبِيلِ التَّطَوُّعِ به، لا على سَبِيلِ الإِيجابِ، كما قَضَى السُّنَّةَ التى فَاتَتْهُ بعد الظُّهْرِ وقبلَ الفَجْرِ، فتَرْكُه له دَلِيلٌ على (7) عَدَمِ الوُجُوبِ، لِتَحْرِيمِ تَرْكِ الواجِبِ، وفِعْلُه لِلْقَضاءِ لا يَدُلُّ على الوُجُوبِ؛ لأنَّ قَضاءَ السُّنَنِ مَشْرُوعٌ. فإن قيل: إنَّما جازَ تَرْكُه، ولم يُؤْمَرْ تارِكُه من النِّساءِ بِقَضائِه، لِتَرْكِهِنَّ إيَّاه قبلَ الشُّرُوعِ. قُلْنَا: فقد سَقَطَ الاحْتِجَاجُ؛ لِاتِّفَاقِنَا على أَنَّه لا يَلْزَمُ قَبْلَ شُرُوعِه فيه، فلم يَكُن القَضاءُ دَلِيلًا على الوُجُوبِ، مع الاتِّفاقِ على انْتِفائِه. ولا يَصِحُّ قِياسُه على الحَجِّ والعُمْرَةِ؛ لأنَّ الوُصُولَ إليهما لا
= فى: باب ضرب الخباء فى المساجد، من كتاب المساجد. المجتبى 2/ 35. وابن ماجه، فى: باب ما جاء فى من يبتدئ الاعتكاف وقضاء الاعتكاف، من كتاب الصِّيام. سنن ابن ماجه 1/ 563. والإِمام مالك، فى: باب قضاء الاعتكاف، من كتاب الاعتكاف. الموطأ 1/ 316. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 84، 226.
(7)
سقط من: م.