الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كانت توصيف الشركة المساهمة على أنها من الشركات الحديثة كان القياس هو الحجة، فإن جواز شركة المضاربة والعنان دليل على جواز كل شركة مالية ليس فيها محذور شرعي، ومنها الشركات المساهمة المنضبطة، وإذا كان الفقهاء المتقدمون أجازوا الشركات التي كانت سائدة في عصرهم مما ليس فيها محظور شرعي فلا يعني ذلك حصراً لأنواع الشركات الجائزة، وإنما أجازوها؛ لأنها هي التي كانت سائدة في عصرهم.
(ح-859) روى البخاري من طريق سليمان بن أبي مسلم، قال:
سألت أبا المنهال عن الصرف يداً بيد؟ فقال: اشتريت أنا وشريك لي شيئاً يداً بيد ونسيئة، فجاءنا البراء بن عازب، فسألناه فقال: فعلت أنا وشريكي زيد ابن أرقم، وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ما كان يداً بيد فخذوه، وما كان نسيئة فذروه
(1)
.
دليل من قال بالتحريم:
الدليل الأول:
العلم بالمبيع شرط لصحة البيع، فإذا كان المبيع مشتملاً على جهالة بطل البيع، والجهالة موجودة في شركات المساهمة حيث لا يعلم المشتري علماً تفصيلياً بحقيقة السهم
(2)
.
وأجيب:
قال سماحة مفتي الديار السعودية في عصره الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى:
«ورد إلينا استفتاء عن هذه الشركات المساهمة، كشركة
(1)
البخاري (2497).
(2)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (7/ 1/ص: 91).
الكهرباء والأسمنت والغاز ونحوها مما يشترك فيه المساهمون، ثم يرغب بعضهم بيع شيء من سهامهم بمثل قيمتها، أو أقل أو أكثر، حسب نجاح تلك الشركة وضده، وذكر المستفتي أن الشركة عبارة عن رؤوس أموال، بعضها نقد، وبعضها ديون لها وعليها، وبعضها قيم ممتلكات وأدوات، مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف، واستشكل السائل القول بجواز بيع تلك السهام؛ لأن المنصوص: اشتراط معرفة المتبايعين للمبيع
…
وذكر أن هذا مما عمت به البلوى، وهذا حاصل السؤال منه ومن غيره عن حكم هذه المسألة.
والجواب: الحمد لله، لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كفيلة ببيان كل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم، قال تعالى:{ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} [النحل: 89] والكلام على هذا مبني على معرفة حكم عقد هذه الشركة، ومساهمة الناس فيها، ولا ريب في جواز ذلك، ولا نعلم أصلاً من أصول الشريعة يمنعه وينافيه، ولا أحداً من العلماء نازع فيه.
إذا عرف هذا فإنه إذا كان للإنسان أسهم في أية شركة، وأراد بيع أسهمه منها فلا مانع من بيعها، بشرط معرفة الثمن، وأن يكون أصل ما فيه الاشتراك معلوماً، وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضاً.
فإن قيل: إن فيها جهالة؛ لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها، فيقال: إن العلم في كل شيء بحسبه، فلا بد أن يطلع المشتري على ما يمكن الاطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة، ولا بد أن يكون هناك معرفة عن حال الشركة ونجاحها، وأرباحها، وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب؛ لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسائرها، كما تبين ممتلكاتها من عقارات، ومكائن، وأرصدة، كما هو معلوم من الواقع، فالمعرفة الكلية ممكنة ولابد، وتتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة، ومن القواعد المقررة أن
المشقة تجلب التيسير، وقد صرح الفقهاء رحمهم الله باغتفار الجهالة في مسائل معروفة، في أبواب متفرقة، مثل جهالة أساس الحيطان، وغير ذلك
…
»
(1)
.
ويقول الدكتور عمر المترك رحمه الله:
«إنه وإن كان يحصل في الشركات نوع من الجهالة، إلا أن مثل هذه الجهالة تغتفر، حيث إنها لا تفضي إلى النزاع، والجهالة التي تؤثر في صحة العقد: الجهالة التي تؤدي إلى عدم إمكان تنفيذ العقد، أو إلى نزاع فيه، كبيع شاة من قطيع تتفاوت آحاده دون تعيين، فإن البائع يرغب عادة في إعطاء المشتري أدناه، والمشتري يرغب في أن يأخذ منه أحسنه وأغلاه، فيتنازعان، ويؤدي ذلك إلى عدم التنفيذ، أما الجهالة في مثل هذه المسألة، فلا تؤدي إلى نزاع؛ لأن البيع والشراء يجري في جزء معين، وهو معلوم للبائع والمشتري.
ولأن الناس محتاجون إلى هذه البيوع، والقول بعدم جوازها يؤدي إلى ضرر كبير، والشارع لا يحرم ما يحتاج إليه الناس، لأجل نوع يسير من الغرر، ولذا أباح بيع الثمار بعد بدء صلاحها مبقاة إلى الجذاذ، وإن كان بعض المبيع لم يخلق بعد، وأجاز بعض العلماء بيع المغيبات في الأرض، كالجزر، وما أشبهه، وبيع ما يكون قشره صوناً له كالعنب، والرمان، والموز في قشره قولاً واحداً، فإذا رئي من المبيع ما يدل على ما لم ير جاز البيع باتفاق، فكذلك الشركات يستدل على نجاحها وفشلها بما ظهر منها، واشتهرت به، وبيع الغرر نهي عنه؛ لأنه يفضي إلى أكل المال بالباطل، فإذا عارض ذلك ضرر أعظم من ذلك أبيح دفعاً لأعظم الفسادين باحتمال أدناهما، وهذه قاعدة مستقرة في الشريعة الإسلامية»
(2)
.
(1)
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (7/ 42، 43) ..
(2)
الربا والمعاملات المصرفية (ص: 372). وانظر أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة للدكتور: مبارك بن سليمان آل سليمان (1/ 196).