الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال السرخسي: «كل عرف ورد الشرع بخلافه فهو غير معتبر»
(1)
.
ولأن الأمور العرفية تتغير بتغير العرف بخلاف النص الشرعي فإن حكمه ثابت لا يتغير.
فالأخذ بالعرف إنما يكون مقبولاً في يسير لم يرد النص في تحريمه كيسير الغرر، ويسير النجاسة، أما إذا ورد نص في تحريم اليسير كما هو الشأن في يسير الربا لم يكن هناك مجال للفقيه للتفريق بين القليل والكثير استناداً إلى العرف.
الضابط أو الشرط الثاني:
نصهم على ألا يجوز الاشتراك في تأسيس الشركات التي ينص نظامها على تعامل محرم في أنشطتها، أو أغراضها.
وجه اعتبار هذا الشرط:
أنه إذا نص على ذلك في نظام الشركة لم يكن بإمكان أحد من المساهمين الاعتراض على ذلك، بخلاف الأمر في حالة عدم النص، أو لأن الدخول في الشركة مع كون المحرمات منصوصاً عليها في نظامها الأساسي يجعل المساهم بمنزلة الراضي بذلك.
مناقشة هذا الشرط:
أولاً: إذا كان الأمر معلقاً على قدرة المساهم على الاعتراض على نظام الشركة لم يكن الدخول في المساهمة معلقاً على تحديد نسبة المحرم بل يكون الحكم معلقاً على القدرة على الاعتراض على نظام الشركة، وتغييره، سواء كان
(1)
المبسوط (12/ 196).
الحرام قليلاً أم كثيراً، فليعلق الحكم به، ويقال بالجواز بالنسبة لمن يقدر على تغيير هذا المنكر، والمنع لمن لا يقدر، كما قال به بعض أهل العلم، ولو علق به الحكم لكان معناه عدم جواز المساهمة في الشركات المختلطة إلا لقلة من أصحاب رؤوس الأموال التي يستطيعون بها تملك كميات كبيرة من الأسهم، بحيث يكون لهم ثقل في الشركة يقدرون معه على التغيير، وبشرط أن يسعوا إلى التغيير فعلاً، لا أن يتخذوا ذلك ذريعة للمساهمة مع عدم سعيهم، أو نيتهم في التغيير
(1)
.
ثانياً: إذا كانت المساهمة تَحْرم في الشركات المختلطة إذا كان نظامها التأسيسي ينص على تعامل محرم في أنشطتها، فينبغي أن تحرم المساهمة إذا كانت الشركة تمارس المحرم فعلاً؛ لأن كتابة النظام إنما هو وسيلة إلى فعل الحرام، وليس هو ارتكاباً للحرام، فما بالك بارتكاب الحرام ذاته، أتكون الوسيلة أولى بالتحريم من الممارسة الفعلية!؟
ثالثاً: كتابة الممارسات المحرمة في نظام الشركة ليس لها تلك الأهمية خاصة إذا علمنا أن الجمعية العامة غير العادية لها الحق في تعديل نظام الشركة سلباً أو إيجاباً، فيجب أن يعلق الأمر على الممارسة، وليس على مجرد نص في نظام شركة قابل للتغيير.
رابعاً: إن كان سبب التحريم أنه إذا دخل في شركة ينص نظامها التأسيسي على فعل الحرام فإن ذلك يعتبر رضا منه بهذا الفعل، فإن الحكم لن يختلف إذا أقدم واشترى أسهم شركة، وهو يعلم أنها تمارس الحرام لكن لم ينص نظامها على ذلك. بل إن المحاسبة ستكون أوجب على المساهم مما لو دخل، وقد
(1)
انظر الاكتتاب والمتاجرة بالأسهم - مبارك آل سليمان (ص: 39).
نص على ذلك في النظام التأسيسي؛ لأن هذا سيكون من باب تعدي مجلس الإدارة، ومخالفة نظام الشركة، ومعلوم أن آحاد المساهمين، ولو كان من صغارهم يعطيه الحق في التفتيش على الشركة إذا تبين من تصرفات مجلس الإدارة أو مراقب الحسابات الداخلي ما يدعو إلى الريبة، كما يعطيه حق رفع دعوى مسئولية على أعضاء مجلس الإدارة إذا تعدوا في مسئولياتهم، وأي تعد أعظم من أن يحول مجلس الإدارة الشركة إلى مؤسسة تعلن الحرب على الله وعلى رسوله دون أن يكون هناك نص في نظامها التأسيسي، فإن استطاع المساهم المحاسبة والتغيير، وإلا وجب عليه الخروج منها.
قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68].
خامساً: لا يمكن فك الارتباط بين المكتتبين، وبين نظام الشركة، فإن الذي يتولى التصديق على نظام الشركة: هي الجمعية التأسيسية، ولا يمكن صدور قرار الوزير بإعلان تأسيس الشركة إلا بعد اجتماع الجمعية التأسيسية، والتي يدعو فيها المؤسسون جميع المكتتبين إلى الاجتماع لاستكمال إجراءات التأسيس، ومن ذلك التصديق على نظام الشركة، فكيف يفصل نظام الشركة وهو معلق بموافقة المكتتبين، أو أغلبهم عن الاكتتاب.
هذه هي شروط وضوابط القول بالجواز، وأما أدلتهم على ا لجواز فهي كالتالي: