الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد فصلت كل ذلك في كتاب البيع فأغنى عن إعادته هنا، والحمد لله
(1)
.
المسألة الثانية:
حكم إجارة العقار إذا كان العقار موصوفاً في الذمة.
[م-1266] فتأجير العقار قبل قيامه إما أن تعين الأرض، أو لا تعين.
فإن لم تعين الأرض لم يصح تأجيره قولاً واحداً؛ لأن السلم لا يصح فيه، لأن العقار لا بد أن يبين موضعه لتفاوت قيمته باختلاف موضعه، وتبيين موضعه يعني تعيينه، وإذا تعين خرج من كونه سلماً في الذمة.
قال في الشرح الكبير: «وعين دار، وحانوت، وحمام، وخان، ونحوها إذ لا يصح أن يكون العقار في الذمة»
(2)
.
قال في حاشية الدسوقي معلقاً: «لأنه لا بد في إجارته إذا لم يعين بالإشارة إليه، أو بأل العهدية من ذكر موضعه، وحدوده، ونحو ذلك مما تختلف به الأجرة، وهذا يقتضي تعيينه»
(3)
.
(4)
.
وعلل الحنفية بأن عقد الإجارة لا بد له من محل، والمنافع معدومة وقت العقد، وليست مالاً في نفسها عندهم، وإنما ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة،
(1)
المبسوط (30/ 219)، فتح القدير (6/ 447)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 200)، الفتاوى الهندية (4/ 396).
(2)
الشرح الكبير (4/ 22).
(3)
حاشية الدسوقي (4/ 22)، وانظر منح الجليل (7/ 500).
(4)
الذخيرة (5/ 242).
فإذا كانت العين غير موجودة لم يصح العقد، ولهذا منع الحنفية أن يكون العقد على المنافع، فلا يقول: أجرتك منافع هذه الدار، وإنما يصح بإضافته إلى العين، فيقول: أجرتك هذه الدار.
ولأن المباني ليست مثلية، وإذا كانت كذلك لم تثبت في الذمة، فلا يجوز إلا أن تكون معينة
(1)
.
وإذا كانت الأرض معينة، والعقار موصوفاً في الذمة ما زال ديناً في ذمة المقاول فهل يجوز للمالك تأجيره ويعتبر من قبيل السلم في المنافع؟
إذا تأملت هذا العقد وجدته مركباً من عين معينة، وهي الأرض، ومن عقار موصوف في الذمة، فهل يصح السلم في مبيع جزؤه معين، وجزؤه غير معين موصوف في الذمة، وهل يثبت العقار في الذمة.
الصحيح أن الأرض إذا تعينت لم يصح أن يكون العقار سلماً؛ لأن السلم لا بد أن يكون كله موصوفاً في الذمة، وحين تعين بعضه خرج من كونه سلماً إضافة إلى أن العقار لا يثبت في الذمة لدى الفقهاء، وإذا كان من بيع المعين لم يصح بيع معين لا يملكه الإنسان ما زال ديناً في ذمة المقاول، بخلاف تأجير الدابة والشخص فيصح تأجيره ولو كان غير معين، وقياس العقار على الدابة قياس مع الفارق، ولهذا منع الفقهاء السلم في ثمار حائط بعينه، وإن كان المقصود من العقد الثمرة، وليس البستان، ومع ذلك لما عين الحائط لم يصح أن يقال: إن الثمار سلم؛ لأنها موصوفة في الذمة.
ولهذا نص المالكية على أن العقار لا يثبت ديناً في الذمة.
قال في الشرح الكبير: «لا يصح أن يكون العقار في الذمة» .
(1)
حاشية ابن عابدين (6/ 5).
وقال في بغية المسترشدين: «لا تتصور إجارة العقار في الذمة، وألحق به في النهاية السفينة خلافاً للتحفة، بخلاف المنقول كالشخص والدابة فيصح تأجيرهما معينين أو في الذمة كأن يلزم ذمته خياطة أو بناء، أو يستأجر دابة موصوفة في الذمة» .
وجاء في نهاية المحتاج: «إجارة العقار لا تكون إلا عينية، والإجارة العينية يشترط فيها لكل من العاقدين رؤية العين»
(1)
.
وجاء في أسنى المطالب: «وإجارة العقار لا تكون في الذمة؛ لأنه لا يثبت فيها بدليل منع السلم فيه»
(2)
.
وجاء في حاشية الجمل: «وإجارة العقار لا تكون إلا على العين، ومثل العقار السفينة؛ فإنه لا يصح السلم فيها، ولا يثبت في الذمة، فلا تكون إجارتها إلا على العين .... »
(3)
.
(4)
.
وقد أخطأ الشيخ الميرة في صكوك الإجارة حين قاس العقار الموصوف في
(1)
نهاية المحتاج (5/ 279).
(2)
أسنى المطالب (2/ 403)، وانظر الإقناع للشربيني (2/ 349)، فتح الوهاب (1/ 422)، شرح المنهج (3/ 533)، إعانة الطالبين (3/ 120)، منهاج الطالبين (ص: 76)، فتاوى السبكي (1/ 443)، نهاية المحتاج (5/ 246).
(3)
حاشية الجمل (3/ 533).
(4)
المغني (2/ 260).
الذمة على تأجير الحيوان والآدمي الموصوف في الذمة، فإن العقار لابد أن يعين مكانه، فخرج عن كونه سلماً، بخلاف الآدمي والحيوان، والله أعلم.
* * *